للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الخيرات تكون للنّاس الأفاضل «١» .

وقال المناويّ: الحسد: تمنّي زوال نعمة عن مستحقّ لها، وقيل: هو ظلم ذي النعمة بتمنّي زوالها عنه وصيرورتها إلى الحاسد «٢» .

وقال الكفويّ: الحسد: اختلاف القلب على الناس لكثرة الأموال والأملاك «٣» .

وقال الراغب: الحسد تمنّي زوال نعمة من مستحقّ لها، وربّما كان مع ذلك سعي في إزالتها.

[فضيلة الابتعاد عن الحسد:]

قال الماورديّ- رحمه الله-: اعلم أنّ الحسد خلق ذميم، مع إضراره بالبدن، وإفساده للدّين، حتّى لقد أمر الله بالاستعاذة من شرّه، فقال تعالى: وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (الفلق/ ٥) . وناهيك بحال ذلك شرّا، ولو لم يكن من ذمّ الحسد إلّا أنّه خلق دنيء، يتوجّه نحو الأكفاء والأقارب، ويختصّ بالمخالط والصاحب، لكانت النزاهة عنه كرما، والسلامة منه مغنما، فكيف وهو بالنّفس مضرّ، وعلى الهمّ مصرّ حتّى ربّما أفضى بصاحبه إلى التلف، من غير نكاية في عدوّ، ولا إضرار بمحسود.

[بين الحسد والمنافسة:]

إذا كان الحسد شدّة الأسى على الخيرات تكون للنّاس الأفاضل، فإنّه غير المنافسة، وربّما غلط قوم فظنّوا أنّ المنافسة في الخير هي الحسد، وليس الأمر على ما فطنوا؛ لأنّ المنافسة طلب التشبّه بالأفاضل من غير إدخال ضرر عليهم، والحسد مصروف إلى الضرر؛ لأنّ غايته أن يعدم الأفاضل فضلهم من غير أن يصير الفضل له، فهذا الفرق بين المنافسة والحسد، فالمنافسة إذن فضيلة لأنّها داعية إلى اكتساب الفضائل والاقتداء بأخيار الأفاضل، واعلم أنّه بحسب فضل الإنسان، وظهور النعمة عليه، يكون حسد الناس له، فإن كثر فضله كثر حسّاده، وإن قلّ قلّوا، لأنّ ظهور الفضل يثير الحسد، وحدوث النعمة يضاعف الكمد «٤» .

[الفرق بين البخل والحسد:]

قال الكفويّ: البخل والحسد مشتركان في أنّ صاحبهما يريد منع النعمة عن الغير، ثمّ يتميّز البخيل بعدم دفع ذي النعمة شيئا، والحاسد يتمنّى ألّا يعطى أحد سواه شيئا «٥» .

[الفرق بين الحسد والغبطة:]

قال الكفويّ: الغبطة: تمنّي الإنسان أن يكون له من الّذي لغيره من غير إرادة إذهاب ما لغيره، أمّا الحسد فهو إرادة زوال نعمة الغير، ثمّ إنّ الغبطة صفة المؤمن، والحسد صفة المنافق «٦» .

[دواعي الحسد:]

قال الماورديّ- رحمه الله-: اعلم أنّ دواعي الحسد ثلاثة:

١- بغض المحسود، فيأسى عليه بفضيلة


(١) أدب الدنيا والدين (٢٦٠) .
(٢) التوقيف (١٣٩، ١٤٠) .
(٣) الكليات للكفوي (٤٠٨، ٦٧٢) .
(٤) أدب الدنيا والدين للماوردي (٢٦٠- ٢٢٦) ، (١٧٦، ١٧٧) ط. بولاق.
(٥) الكليات (٢٤٢) .
(٦) المرجع السابق (٦٧٢) ، وانظر المفردات للراغب (١١٧) .