للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة «١» وشارة «٢» حسنة فقالت أمّه: اللهمّ اجعل ابني مثل هذا. فترك الثّدي وأقبل إليه فنظر إليه. فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع» . قال: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه. فجعل يمصّها. قال: «ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت. سرقت. وهي تقول:- حسبي الله ونعم الوكيل. فقالت أمّه: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها. فترك الرّضاع ونظر إليها. فقال: اللهمّ اجعلني مثلها. فهناك تراجعا الحديث «٣» .

فقالت: حلقى «٤» ، مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ اجعل ابني مثله فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله. ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت. سرقت.

فقلت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها. فقلت: اللهم اجعلني مثلها «٥» قال: إنّ ذاك الرّجل كان جبّارا فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله. وإنّ هذه يقولون لها:

زنيت ولم تزن. وسرقت ولم تسرق. فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها» ) * «٦» .

٩-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «٧» كريم، والفاجر خبّ «٨» لئيم» ) * «٩» .

١٠-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر «١٠» » ) * «١١» .

١١-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّجش «١٢» » ) * «١٣» .

من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الخداع)

١-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:

«كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج- وكان أبو بكر يأكل من خراجه- فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟

قال: كنت تكهّنت لإنسان في الجاهليّة وما أحسن الكهانة، إلّا أنّي خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الّذي


(١) فارهة: الفارهة النشيطة الحادة القوية. وقد فرهت فراهة وفراهية.
(٢) وشارة: الشارة الهيئة واللباس.
(٣) تراجعا الحديث: معناه أقبلت على الرضيع تحدثه. وكانت أولا، لا تراه أهلا للكلام. فلما تكرر منه الكلام، علمت أنه أهل له فسألته وراجعته.
(٤) حلقى: أي أصابه الله تعالى بوجع في حلقه.
(٥) مثلها: أي سالما من المعاصي كما هي سالمة.
(٦) البخاري- الفتح ٦ (٣٤٣٦) ، مسلم (٢٥٥٠) واللفظ له.
(٧) الغر: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرا نسبة له إلى سلامة الصدر وحسن الباطن والظن في الناس فكأنه لم يجرب بواطن الأمور.
(٨) الخب: الخداع المكار الخبيث.
(٩) الترمذي (١٩٦٤) ، وأبو داود (٤٧٩٠) ، والحاكم في المستدرك (١/ ٤٣) وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني (١٥٩٩) ، وقال محقق جامع الأصول (١١/ ٧٠١) حديث حسن.
(١٠) الغرر: ما له ظاهر تؤثره وباطن تكرهه.
(١١) مسلم (١٥١٣) .
(١٢) النجش هو الختل والخداع. وقيل: هو دخول الرجل في السلعة وهو لا يريد شراءها بل ليرفع ثمنها.
(١٣) البخاري- الفتح ٤ (٢١٤٢) ، ومسلم (١٥١٦) .