للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خوف المذمّة، وهذا يؤدّي إلى أعلى أنواع المقت، يلي ذلك المراءة بالنّوافل الّتي يفعلها المرائي باعتياد أمام النّاس ويرغب عنها في الخلوة، ويلي ذلك في القبح المراءاة بأوصاف العبادات كتحسينها وإظهار الخشوع فيها في الملأ والاقتصار في الخلوة على أدنى درجاتها «١» .

[معالجة الرياء:]

قال الغزاليّ ما خلاصته: لا يستطيع أحد أن يقمع الرّياء إلّا بمجاهدة شديدة ومكابدة لقوّة الشّهوات، ويكون ذلك بأمرين:

الأوّل: قلع عروقه واستئصال أصوله وهي:

لذّة المحمدة والفرار من ألم الذّمّ، والطّمع فيما في أيدي النّاس، وهذه الثّلاثة راجعة إلى حبّ المنزلة والجاه.

الثّاني: أن يشمّر الإنسان عن ساعد الجدّ لدفع ما يعرض من خاطر الرّياء، وخواطره ثلاثة أيضا وهي: العلم باطّلاع الخلق ورجاء اطّلاعهم، ثمّ هيجان الرّغبة من النّفس في حمدهم، وحصول المنزلة عندهم، ويعقب ذلك هيجان الرّغبة في قبول النّفس له (أي الحمد والمنزلة) والرّكون إليه وعقد الضّمير على تحقيقه، والخاطر الأوّل يسمّى معرفة، والثّاني رغبة وشهوة، والثّالث هو العزم وكمال القوّة في دفع الخاطر الأوّل قبل أن يعقبه الثّاني، فإذا خطر له معرفة اطّلاع الخلق أو رجاء اطّلاعهم دفع ذلك بأن قال: مالي وللخلق علموا أو لم يعلموا، والله عالم بحالي فأيّ فائدة في علم غيره؟ فإن هاجت الرّغبة إلى لذّة الحمد فعليه أن يذكر تعرّض المرائي للمقت عند الله يوم القيامة وخيبته- في أحوج أوقاته- إلى أعماله، وعندئذ تثور عنده كراهة للرّياء تقابل تلك الشّهوة إذ يتفكّر في تعرّضه لمقت الله وعقابه الأليم، الشّهوة تدعوه إلى القبول والكراهة تدعوه إلى الإباء والنّفس تطاوع- لا محالة- أقواهما ويتضّح من ذلك أنّه لا بدّ في ردّ الرّياء الّذي خطر أثناء العبادة من المعرفة والكراهة والإباء.

أمّا من الناحية العملية:

فإنّ دفع الرّياء يستلزم من المرء أن يعوّد نفسه إخفاء العبادات، وإغلاق الأبواب دونها، كما تغلق الأبواب دون الفواحش، حتّى يقنع قلبه بعلم الله ولا تنازعه نفسه بطلب علم غير الله به، وهذا وإن كان يشقّ في البداية إلّا أنّه يهون بالصّبر عليه وبتواصل ألطاف الله عزّ وجلّ وما يمدّ به عباده من التأييد والتّسديد «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: المن- الأذى- الغرور- الكبر والعجب- النفاق- الكذب.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإخلاص- الإيمان- الإحسان- الصدق- المروءة- النبل] .


(١) باختصار وتصرف عن الزواجر لابن حجر ١/ ٤٣- ٤٦.
(٢) بتصرف عن إحياء علوم الدين ٣/ ٣١٠- ٣١٤.