للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خبث الزّنا واللّواطة فقال: «وسم الله سبحانه الشّرك والزّنا واللّواطة بالنّجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذّنوب، وإن كانت جميعا تشتمل على ذلك، لكنّ الله- عزّ وجلّ- خصّ هذه الذّنوب لغلظها فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (التوبة/ ٢٨) وقال في حقّ اللّواطة وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (الأنبياء/ ٧٤) كما ذكر عن اللّوطيّة أنفسهم أنّهم نفوا عن أنفسهم الطّهارة فقال أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (الأعراف/ ٨٢) .

وأمّا الزّناة فجاء وصفهم صريحا فقال تعالى الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ. (النور/ ٢٦) والمقصود الآن بيان ما في الزّنا واللّواطة من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذّنوب ما دون الشّرك، وذلك لأنّها تفسد القلب وتضعف توحيده جدّا. ولهذا كان أحظى النّاس بهذه النّجاسة أكثرهم شركا، فكلّما كان الشّرك في العبد أغلب كانت هذه النّجاسة والخبائث فيه أكثر وكلّما كان العبد أعظم إخلاصا كان منها أبعد، فليس في الذّنوب أفسد للقلب والدّين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصّيّة في إبعاد القلب من الله فإذا انصبغ القلب بهما بعد من الله الطّيّب الّذي لا يصعد إليه إلّا الطّيّب» «١» .

وقال الذّهبيّ- رحمه الله-: النّظرة بشهوة إلى المرأة والأمرد زنا، ولا أجل ذلك بالغ الصّالحون في الإعراض عن المردان «٢» وعن النّظر إليهم وعن مخالطتهم ومجالستهم. وكان يقال: لا يبيتنّ رجل مع أمرد في مكان واحد. وحرّم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمّام قياسا على المرأة؛ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «ما خلا رجل بامرأة إلّا كان الشّيطان ثالثهما» وفي المردان من يفوق النّساء بحسنه فالفتنة به أعظم، وأنّه يمكن في حقّه من الشّرّ ما لا يمكن في حقّ النّساء، ويتسهّل في حقّه من طريق الرّيبة والشّرّ ما لا يتسهّل في حقّ المرأة، فهو بالتّحريم أولى.

وأقاويل السّلف في التّنفير منهم والتّحذير من رؤيتهم أكثر من أن تحصر وجاء رجل إلى الإمام أحمد- رحمه الله تعالى ومعه صبيّ حسن، فقال الإمام: ما هذا منك؟ قال: ابن أختي. قال: «لا تجأ به إلينا مرّة أخرى، ولا تمش معه في طريق لئلّا يظنّ بك من لا يعرفك ولا يعرفه سوءا» «٣» .

وقال الإمام ابن حجر: عدّ الزّنا من الكبائر هو ما أجمعوا عليه واختلف في أيّهما أشنع وأقبح، هل القتل أو الزّنا؟ والصّحيح أنّ الّذي يلي الشّرك في الكبائر هو القتل (أي قتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ) ثمّ الزّنا، وأفحش أنواعه الزّنا بحليلة الجار، والزّنا أكبر إثما من اللّواط، لأنّ الشّهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر وقوعه ويعظم الضّرر بكثرته، ولما يترتّب عليه من اختلاط الأنساب، وبعض الزّنا أغلظ من بعض، فالزّنا بحليلة الجار، أو بذات الرّحم، أو بأجنبيّة في شهر رمضان، أو في البلد الحرام، فاحشة مشينة، وأمّا ما دون الزّنا الموجب للحدّ فإنّه من


(١) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (٧٨- ٨٢) بتصرف.
(٢) المردان: جمع أمرد وهو الشاب الوسيم الذي لم تنبت له لحية.
(٣) الكبائر (٥٨- ٥٩) بتصرف يسير.