للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخصلة السادسة:]

حفظه للعهد ووفاؤه بالوعد فإنّه ما نقض لمحافظ عهدا، ولا أخلف لمراقب وعدا، يرى الغدر من كبائر الذّنوب، والإخلاف من مساوىء الشّيم فيلتزم فيهما الأغلظ ويرتكب فيهما الأصعب حفظا لعهده ووفاء بوعده حتّى يبتدىء معاهدوه بنقضه فيجعل الله تعالى له مخرجا كفعل اليهود من بني قريظة وبني النّضير وكفعل قريش بصلح الحديبية إذ جعل الله تعالى له في نكثهم الخيرة.

فهذه ستّ خصال تكاملت في خلقه، فضّله الله تعالى على جميع خلقه.

[الوجه الثالث: فضائل الأقوال:]

في فضائل أقواله صلّى الله عليه وسلّم خصال عديدة، منها:

[الخصلة الأولى:]

ما أوتي من الحكمة البالغة، وأعطي من العلوم الجمّة الباهرة، وهو أمّي من أمّة أمّيّة لم يقرأ كتابا ولا درس علما ولا صحب عالما ولا معلّما فأتى بما بهر العقول وأذهل الفطن من إتقان ما أبان وإحكام ما أظهر ولم يتعثّر فيه بزلل في قول أو عمل.

وقد شرع من تقدّم من حكماء الفلاسفة سننا حملوا النّاس على التّديّن بها حين علموا أنّه لا صلاح للعالم إلّا بدين ينقادون له ويعملون به فما راق لها أثر ولا فاق لها خبر.

[الخصلة الثانية:]

حفظه لما أطلعه الله تعالى عليه من قصص الأنبياء مع الأمم وأخبار العالم في الزّمن الأقدم حتّى لم يعزب عنه منها صغير ولا كبير ولا شذّ عنه منها قليل ولا كثير.

وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه، وما ذاك إلّا من ذهن صحيح وصدر فسيح وقلب شريح، وهذه الثّلاثة آلة ما استودع من الرّسالة وحمّل من أعباء النّبوّة فجدير أن يكون بها مبعوثا وعلى القيام بها محثوثا.

[الخصلة الثالثة:]

إحكامه لما شرع بأظهر دليل وبيانه بأوضح تعليل حتّى لم يخرج منه ما يوجبه معقول «١» ولا دخل فيه ما تدفعه العقول.

ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصارا، لأنّه نبّه بالقليل على الكثير فكفّ عن الإطالة وكشف عن الجهالة وما تيسّر ذلك إلّا وهو عليه معان وإليه مقاد.


(١) معقول هنا بمعنى العقل.