للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

درجات الظّلم:

قال الرّاغب: لمّا كان الظّلم ترك الحقّ الجاري مجرى النّقطة من الدّائرة صار العدول عنها إمّا قريبا وإمّا بعيدا، فمن كان عنه (عن الحقّ) أبعد كان الرّجوع إليه أصعب، ولذلك قال تعالى: وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (النساء/ ٦٠) تنبيها إلى أنّ الشّيطان متى أمعن بهم في البعد من الحقّ صعب عليهم حينئذ الاهتداء «١» .

وعلى هذا فمن كان إليه (أي إلى الحقّ) أقرب كان الرّجوع إليه أسهل، ومن ثمّ فليحذر الظّالم المبتدىء من التّمادي في ظلمه حتى يعطي لنفسه فرصة الرّجوع إلى الحقّ.

أنواع الظّلم:

قال بعض الحكماء: الظّلم ثلاثة: الأوّل:

ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشّرك والنّفاق، ولذلك قال: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ ١٣) وإيّاه قصد بقوله أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود/ ١٨) . والثّاني: ظلم بينه وبين النّاس، وإيّاه قصد بقوله وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ إلى قوله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (الشورى/ ٤٠) وبقوله إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ (الشورى/ ٤٢) . والثّالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإيّاه قصد بقوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ (فاطر/ ٣٢) وقوله ظَلَمْتُ نَفْسِي (القصص/ ١٦) .

وكلّ هذه الثّلاثة في الحقيقة ظلم للنّفس، فإنّ الإنسان في أوّل ما يهمّ بالظّلم فقد ظلم نفسه «٢» .

أنواع الظّلمة:

أمّا أنواع الظّلمة فثلاثة:

١- الظّالم الأعظم، وهو الّذي لا يدخل تحت شريعة الله تعالى وإيّاه عنى بقوله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ ١٣) .

٢- الظّالم الأوسط، وهو الّذي لا يلتزم حكم السّلطان «أي فيما وضعه السّلطان من أنظمة لتيسير الحياة ولا يتعارض مع أحكام الشّرع» .

٣- الظّالم الأصغر، وهو الّذي يتعطّل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع النّاس، ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تعاطي العدل بالطّبع وبالخلق والتّخلّق والتّصنّع والرّياء والرّغبة والرّهبة. فقد انسلخ عن الإنسانيّة، ومتى صار أهل كلّ صقع على ذلك فتهارشوا وتغالبوا وأكل قويّهم ضعيفهم، ولم يبق فيهم أثر قبول لمن يمنعهم ويصدّهم عن الفساد فقد جرت عادة الله سبحانه في أمثالهم هلاكهم واستئصالهم عن آخرهم «٣» .

من يستعمل معهم الظّلم:

أمّا المستعمل معهم الظّلم فخمسة:

الأوّل: (ربّ العزّة وذلك حين يشرك به) إذ يقتضي العدل معرفة توحيده وأحكامه.

الثّاني: قوى النّفس، ويكون ذلك بعدم


(١) الذريعة (٣٥٧) .
(٢) المفردات (٣١٥، ٣١٦) .
(٣) الذريعة (٣٥٨) بتصرف.