للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إنصاف العقل من الهوى، ويقتضي العدل أن يجعل الإنسان هواه مستسلما لعقله، وقد قيل أعدل النّاس من أنصف عقله من هواه.

الثّالث: أسلاف الإنسان ويكون ذلك بترك وصاياهم وعدم الدّعاء لهم.

الرّابع: من يعاملهم الإنسان من الأحياء، ويكون ذلك بالتّقصير في أداء الحقوق، وعدم الإنصاف في المعاملات من بيع وشراء وجميع المعاوضات والإجارات.

الخامس: عامّة النّاس إذا تولّى الحكم بينهم ويكون ذلك بالجور وعدم النّصفة، وذلك في شأن الولاة والقضاة ومن إليهم «١» .

[بين الظلم والجور:]

يرى كثيرون أنّ الجور والظّلم سواء، ولكنّ الكفويّ فرّق بينهما فقال:

الظلم: ضرر من حاكم أو غيره.

والجور: هو خلاف الاستقامة في الحكم.

[هل يجوز الانظلام:]

أطلق الرّاغب على قبول الظّلم مصطلح «الانظلام» وقسّمه من حيث الكمّيّة ومن حيث الكيفيّة فقال:

ترك العدل إلى الظّلم عمدا مذموم في جميع الأحوال والخارج عنه إلى الظّلم مستوجب بقدر خروجه سخطا من الله- عزّ وجلّ- إلّا أن يتغمّده الله بعفوه- أمّا الخارج عنه (عن العدل) إلى الانظلام فقد يحمد.

والانظلام من حيث الكمّيّة ثلاثة أضرب:

١- انظلام في المال وهو الاستخذاء للظّالم في أخذ ماله.

٢- انظلام في الكرامة وهو الاستخذاء في بخس منزلته من التّعظيم.

٣- انظلام في النّفس وهو استخذاء لمن يؤلمه، وكلّ واحد من هذه الثّلاثة يكون محمودا ويكون مذموما.

أمّا من حيث الكيفيّة فهو ضربان:

الأوّل: محمود، ويراد به التّغاضي عن حقّ له في المال أو الكرامة، أو النّفس بقدر ما يحسن وفي وقت ما يحسن وهو المعبّر عنه بالانخداع والتّغافل، وهو المعبّر عنه في قول معاوية- رضي الله عنه-: «من خدعك وانخدعت له فقد خدعته» وذلك إذا كان في مال فمسامحة وإن كان في النّفس فعفو، وإن كان في الكرامة فتواضع «٢» .

والثّاني: مذموم، وهو الّذي إن كان في المال فغبن وإن كان في النّفس والكرامة فهوان ومذلّة «٣» .

حكم الظّلم:

قال الإمام الذّهبيّ: الظّلم يكون بأكل أموال


(١) انظر الذريعة (ص ٣٥٧) وقد ذكر الراغب هذه الأصناف الخمسة إجمالا دون تمثيل، وقمنا بذلك اعتمادا على ما ذكره في أنواع العدل وما يستعمل ذلك فيه (٣٥٣) .
(٢) الكليات (٥٩٤) .
(٣) الذريعة (٣٥٥) بتصرف.