للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلق، فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلّهم» «١» .

- وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-؛ قال: «إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثا «٢» . كلّ أمّة تتبع نبيّها يقولون: يا فلان اشفع حتّى تنتهي الشّفاعة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود» «٣» .

- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- في قوله تعالى-: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً: سئل عنها، قال: هي الشّفاعة» «٤» .

- وعن كعب بن مالك- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يبعث النّاس يوم القيامة فأكون أنا وأمّتي على تلّ ويكسوني ربّي حلّة خضراء ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود» «٥» .

٣- شفاعة عظمى وشفاعات: «٦»

يجمع الله- عزّ وجلّ- الأوّلين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، وتدنو منهم الشّمس وقد تضاعف حرّها وتبدّلت عمّا كانت عليه من خفّة أمرها ويعرق النّاس حتّى يذهب عرقهم في الأرض سبعين باعا ويلجمهم ويبلغ آذانهم «٧» في يوم مقداره خمسين ألف سنة، قياما على أقدامهم شاخصة أبصارهم منفطرة قلوبهم لا يكلّمون ولا ينظر في أمورهم. فإذا بلغ الكرب والجهد منهم ما لا طاقة لهم به كلّم بعضهم بعضا في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقّهم، فلم يتعلّقوا بنبيّ إلّا دفعهم، قال: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري حتّى ينتهوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينطلق. فيشفع حتّى يقضي الله تبارك وتعالى بين الخلق. وستأتي وقائع ذلك المشهد العظيم مفصّلة في الأحاديث، وبالله التّوفيق.


(١) رواه البخاري- الفتح ٣ (١٤٧٥) .
(٢) جثا: أي جماعات جمع جثوة كخطوة وخطا. وتروى هذه اللفظة جثى بتشديد الياء: جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبتيه- انظر النهاية لابن الأثير (١/ ٢٣٩) ، ولسان العرب (١٤/ ١٣١- ١٣٢) ، وفتح الباري (٨/ ٢٥٢) .
(٣) رواه البخاري- الفتح ٨ (٤٧١٨) .
(٤) رواه الترمذي برقم (٣١٣٧) وقال: هذا حديث حسن، ورواه الإمام أحمد في مسنده (٢/ ٤٤٤، ٤٧٨) ، وابن جرير في تفسيره (١٥/ ٩٨) .
(٥) رواه الإمام أحمد في مسنده (٣/ ٤٥٦) وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ٥١) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وقال الهيثمي في موضع آخر (١٠/ ٣٧٧) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأحد إسنادي الكبير رجاله رجال الصحيح. ورواه كذلك الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٦٣) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٦) الشفاعة: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره.. وشفع إليه: في معنى طلب إليه. والشافع: الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب. يقال: تشفعت بفلان إلى فلان فشفعني فيه واسم الطالب شفيع- انظر لسان العرب (٨/ ١٨٤) . وقال ابن حجر: الاستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الأدنى إلى الأعلى ليستعين به على ما يرومه- انظر الفتح (١١/ ٤٤١) . والشفاعة ملك لله عز وجل ولا تسأل إلا منه ولا تكون إلا من بعد إذنه تبارك وتعالى سواء في ذلك شفاعة نبينا صلّى الله عليه وسلّم وشفاعة من دونه، وذلك الإذن يتعلق بالشافع والمشفوع فيه، وبوقت الشفاعة، فليس يشفع إلا من أذن الله له في الشفاعة. وليس له أن يشفع إلا بعد أن يأذن الله له، وليس له أن يشفع إلا فيمن أذن الله تعالى له أن يشفع فيه.
(٧) كما صح بذلك الخبر- انظر البخاري- الفتح (١١/ ٦٥٣٢) ، ومسلم برقم (٢٨٦٣) .