للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا جاء ربّنا عرفناه. فيأتيهم الله تعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا فيتّبعونه. ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم «١» فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز «٢» . ولا يتكلّم يومئذ إلّا الرّسل ودعوى الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم، سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «٣» . هل رأيتم السّعدان؟» قالوا: نعم. يا رسول الله. قال:

«فإنّها مثل شوك السّعدان، غير أنّه لا يعلم ما قدر عظمها إلّا الله، تخطف النّاس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله «٤» ، ومنهم المجازى حتّى ينجّى.

حتّى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النّار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممّن أراد الله تعالى أن يرحمه ممّن يقول لا إله إلّا الله. فيعرفونهم في النّار. يعرفونهم بأثر السّجود. تأكل النّار من ابن آدم إلّا أثر السّجود. حرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود. فيخرجون من النّار وقد امتحشوا «٥» فيصبّ عليهم ماء الحياة، فينبتون منه «٦» كما تنبت الحبّة في حميل السّيل «٧» . ثمّ يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد. ويبقى رجل مقبل بوجهه على النّار. وهو آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة. فيقول: أي ربّ، اصرف وجهي عن النّار. فإنّه قد قشبني «٨» ريحها وأحرقني ذكاؤها. فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه. ثمّ يقول الله تبارك وتعالى: هل عسيت «٩» إن فعلت ذلك بك


(١) ويضرب الصراط بين ظهري جهنم: أي يمد الصراط عليها.
(٢) فأكون أنا وأمتي أول من يجيز: معناها يكون أول من يمضي عليه ويقطعه. يقال: أجزت الوادي وجزته، لغتان بمعنى واحد وقال الأصمعي: أجزته قطعته، وجزته مشيت فيه.
(٣) وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان: الكلاليب جمع كلوب وكلاب وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور، وأما السعدان فهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب.
(٤) بقى بعمله: ذكر القاضي أنه روى على ثلاثة أوجه: أحدها المؤمن بقى والثاني الموثق والثالث الموبق يعني بعمله. قال القاضي: هذا أصحها، وكذا قال صاحب المطالع: هذا الثالث هو الصواب. قال: وفي بقى، على الوجه الأول ضبطان أحدهما بالباء الموحدة والثاني بالياء المثناة. قال النووي: والموجود في معظم الأصول ببلادنا هو الوجه الأول.
(٥) امتحشوا: احترقوا.
(٦) فينبتون منه: معناه ينبتون بسببه.
(٧) كما تنبت الحبة في حميل السيل: الحبة هي بذر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول. وجمعها حبب. وحميل السيل ما جاء به السيل من طين أو غثاء، ومعناه محمول السيل. والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته.
(٨) قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها: قشبني معناه سمني وآذاني وأهلكني. كذا قاله الجماهير من أهل اللغة والغريب. وقال الداوديّ: معناه غير جلدي وصورتي. وأما ذكاؤها فمعناه لهبها واشتعالها وشدة وهجها. والأشهر في اللغة ذكاها مقصور. وذكر جماعات أن المد والقصر لغتان.
(٩) هل عسيت: لغتان: بفتح السين وكسرها. قال في الكشاف عند قوله تعالى (البقرة/ ٢٤٦) هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا. وخبر عسيتم أن لا تقاتلوا. والشرط فاصل بينهما. والمعنى هل قاربتم أن لا تقاتلوا، يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون: أراد أن يقول: عسيتم أن لا تقاتلوا، بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون. وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن، وأنه صائب في توقعه.