للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- وعنه- رضي الله عنه-؛ قال: قلت: يا رسول الله، إنّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟

قال: «نعم، وجدته في غمرات «١» من النّار فأخرجته إلى ضحضاح «٢» » .

- وعن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-؛ أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذكر عنده عمّه أبو طالب فقال: لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة. فيجعل في ضحضاح من النّار يبلغ كعبيه يغلي منه أمّ دماغه» «٣» .

- وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أهون أهل النّار عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» «٤» .

٤- دعوة مستجابة:

أعطى الله- تبارك وتعالى- كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام دعوة أعلمهم أنّها تستجاب لهم ويبلغ فيها مرغوبهم، وإلّا فكم لكلّ نبيّ منهم من دعوة مستجابة ولنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم منها ما لا يعدّ، لكنّ حالهم عند الدّعاء بها بين الرّجاء والخوف، وضمنت لهم إجابة دعوة فيما شاؤوا يدعون بها على يقين من الإجابة. فنالها كلّ نبيّ من الأنبياء في الدّنيا. وأمّا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فادّخرها شفاعة لأمّته يوم الفاقة وخاتمة المحن وعظيم السّؤال والرّغبة، فجزاه الله أحسن ما جزى نبيّا عن أمّته.

وما فعله صلّى الله عليه وسلّم فهو من كمال شفقته على أمّته ورأفته بهم واعتنائه بالنّظر في مصالحهم «٥» .

لأنّه جعل الدّعوة فيما ينبغي وجعلها للمذنبين من أمّته لكونهم أحوج إليها من الطّائعين «٦» فهذه الدّعوة المدّخرة لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم لا يشاركه فيها غيره من الأنبياء عليهم السّلام. والّذي يبدو أنّ هذه الدّعوة المستجابة هي الشّفاعة المعطاة لنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم على ما سبق تفصيله في المبحث الماضي. غير أنّنا نورد بعض الأحاديث الّتي تسند هذا المعنى.

- فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة. فتعجّل كلّ نبيّ دعوته. وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة، فهي نائلة، إن شاء الله، من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا» » .


(١) غمرات: فتح الغين والميم واحدتها غمرة بإسكان الميم وهي المعظم من الشيء. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (٣/ ٨٤) .
(٢) رواه مسلم برقم (٢١٠/ ٣٥٨) .
(٣) رواه البخاري- الفتح ١١ (٦٥٦٤) واللفظ له، ورواه مسلم برقم (٢١٠) .
(٤) رواه مسلم برقم (٢١٢) .
(٥) قاله النووي- انظر شرحه على صحيح مسلم (٣/ ٧٥) . ونقله عنه أيضا ابن حجر في فتح الباري (١١/ ١٠٠) .
(٦) قاله ابن الجوزي- انظر فتح الباري (١١/ ١٠٠) .
(٧) رواه البخاري- انظر الفتح ١١ (٦٣٠٤) ، ومسلم برقم (١٩٩) واللفظ له.