للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللّغط، وارتفعت الأصوات، حتّى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإمّا بايعناهم على مالا نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فسادا، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا» ) * «١» .

٢-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: تقوى الله مفتاح سداد «٢» وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، فبادروا بالأعمال عمرا ناكسا «٣» ، أو مرضا حابسا «٤» ، أو موتا خالسا «٥» ، فإنّه هادم لذّاتكم، ومباعد طيّاتكم «٦» ، زائر غير محبوب، وواتر غير مطلوب، قد أعلقتكم حبائله، وتكنّفتكم «٧» غوائله، وأقصدتكم معابله «٨» ، فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، واحتدام علله، وحنادس «٩» غمراته، وغواشي سكراته، وأليم إرهاقه، ودجوّ إطباقه، وجشوبة «١٠» مذاقه فأسكت نجيّكم «١١» ، وفرّق نديّكم، فلا تغرّنكم الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية، الّذين احتلبوا درّتها «١٢» ، وأصابوا غرّتها، وأفنوا عدّتها وأخلقوا جدّتها، أصبحت مساكنهم أجداثا، وأموالهم ميراثا، فإنّها غرّارة «١٣» خدوع، معطية منوع، لا يدوم رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها) * «١٤» .

٣-* (وعن عليّ- رضي الله عنه- أنّه صاح بغلام له مرّات، فلم يلبّه، فنظر، فإذا هو بالباب، فقال: مالك لم تجبني؟ قال: لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك، فاستحسن ذلك فأعتقه) * «١٥» .

٤-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا) * «١٦» .


(١) البخاري- الفتح ١٢ (٦٨٣٠) .
(٢) السداد: بالكسر: ما يسد به الشيء ومنه سداد الثغر.
(٣) الناكس: الراجع.
(٤) الحابس: الذي يمنع صاحبه من العمل.
(٥) الموت الخالس: الذي يأخذ صاحبه على غفلة.
(٦) الطيات: النيات.
(٧) التكنف: الحلول بالأكناف وهي الضواحي.
(٨) المعابل: نصل عريض طويل.
(٩) الحنادس: الظلم.
(١٠) الجشوبة: خشونة المذاق.
(١١) النجي: القوم يتناجون.
(١٢) الدرة: اللبن.
(١٣) الغرارة: فعالة من الغرور.
(١٤) منال الطالب لابن الأثير ٣٦٤.
(١٥) تفسير القرطبي (١٠/ ١٦١) .
(١٦) الإحياء (٣/ ٤١١) .