للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم، ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى النّاس عامّة» «١» .

- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غزا نبيّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع «٢» امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولمّا يبن. ولا آخر قد بنى بنيانا، ولمّا يرفع سقفها. ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات «٣» ، وهو منتظر ولادها «٤» : قال: فغزا. فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشّمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهمّ احبسها عليّ شيئا «٥» ، فحبست عليه حتّى فتح الله عليه. قال: فجمعوا ما غنموا. فأقبلت النّار «٦» لتأكله. فأبت أن تطعمه. فقال: فيكم غلول. فليبايعني من كلّ قبيلة رجل. فبايعوه. فلصقت يد رجل بيده. فقال: فيكم الغلول. فلتبايعني قبيلتك. فبايعته. قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة. فقال: فيكم الغلول. أنتم غللتم. قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة «٧» من ذهب. قال: فوضعوه في المال وهو بالصّعيد «٨» . فأقبلت النّار فأكلته. فلم تحلّ الغنائم لأحد من قبلنا. ذلك بأنّ الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا «٩» ، فطيّبها «١٠» لنا» «١١» .

- عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم تحلّ الغنائم لأحد سود «١٢» الرّءوس من قبلكم، كانت تنزل نار من السّماء فتأكلها، قال سليمان الأعمش «١٣» : فمن يقول هذا إلّا أبو هريرة الآن، فلمّا كان يوم بدر وقعوا في الغنائم قبل أن تحلّ لهم، فأنزل الله تعالى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «١٤» .١» .

- عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- عام غزوة تبوك- قام من اللّيل يصلّي


(١) رواه البخاري واللفظ له. انظر فتح الباري ١ (٣٣٥) ورواه مسلم برقم (٥٢١) .
(٢) بضع بضم الباء: هو فرج المرأة. أي ملك فرجها بالنكاح.
(٣) خلفات: جمع خلفة ككلمة وكلمات. وهي الحامل من الإبل.
(٤) ولادها: أي نتاجها. وقال النووي: وفي هذا الحديث أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلى أولي الحزم وفراغ البال لها. ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها. لأن ذلك يضعف عزمه، ويفوت كمال بذله وسعيه.
(٥) اللهم احبسها: قال القاضي: اختلف في حبس الشمس المذكور هنا. فقيل: ردت على أدراجها. وقيل: وقفت ولم ترد. وقيل أبطيء بحركتها.
(٦) فأقبلت النار: أي من جانب السماء لتأكله، كما هو السنة في الأمم الماضية، لغنائمهم وقرابينهم المتقبلة.
(٧) فأخرجو له مثل رأس بقرة: أي كقدره أو كصورته من ذهب كانوا غلوه أو أخفوه.
(٨) بالصعيد: يعني وجه الأرض.
(٩) قوله « ... رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا» : كما في رواية البخاري قال الحافظ ابن حجر: « ... وفيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة. وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر ... » . انظر فتح الباري (٦/ ٢٥٨) .
(١٠) فطيبها: أي جعلها لنا حلالا بحتا، ورفع عنا محقها بالنار تكرمة لنا.
(١١) رواه البخاري. انظر الفتح (٦/ ٣١٢٤) ، ورواه مسلم برقم (١٧٤٧) . واللفظ له.
(١٢) سود الرءوس: المراد بهم بنو آدم لأن رءوسهم سود.
(١٣) سليمان الأعمش: أحد رواة الحديث وهو أحد الأئمة الحفاظ.
(١٤) سورة الأنفال: آية رقم (٦٨) .
(١٥) رواه الترمذي برقم (٣٠٨٥) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد في مسنده (٢/ ٢٥٢) وصححه كذلك الألباني. انظر صحيح الجامع برقم (٥٠٧٢) .