للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الباطل «١» .

وقد يستعمل بعض علماء المصطلحات لفظ الغواية في معنى الغيّ، ومن ثمّ يكون ما ذكروه عن الغواية اصطلاحا صالحا لتعريف الغيّ أيضا، فمن ذلك:

ما ذكره أبو البقاء الكفويّ من أنّ الغواية هي ألّا يكون (للغاوي) إلى المقصد طريق مستقيم «٢» .

ما ذكره التّهانويّ من أنّ الغواية: هي سلوك طريق لا يوصّل إلى المطلوب، وقيل هي حالة تحصل للسّالك في سلوكه وهي كونه فاقدا لما يوصّله إلى المطلوب مخطئا فيه، فإنّها بمعنى الضّلالة وهي مقابلة للهدى بمعنى الاهتداء «٣» .

[ثانيا: الإغواء اصطلاحا:]

لم تذكر كتب الاصطلاحات الّتي وقفنا عليها تعريفا للإغواء ومن ثمّ يكون باقيا على أصل معناه في اللّغة، وقد نصّ على ذلك الإمام الطّبريّ عندما قال:

أصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرّجل للّرجل الشّيء حتّى يحسّنه عنده غارّا له به «٤» ، وقال القرطبيّ:

الإغواء: إيقاع الغيّ في القلب «٥» .

ونستطيع في ضوء ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون أن نسوق تعريفا للإغواء، فنقول: الإغواء: هو أن يزيّن شياطين الإنس أو الجنّ للمرء الشّيء الفاسد (عملا أو اعتقادا) حتّى يحسن عنده فيعتقد فيه اعتقادا باطلا بأنّه صحيح حسن، ويتصرّف تبعا لذلك.

[الفرق بين الغي والضلال:]

قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: الضّالّ: هو الّذي يسلك على غير طريق بغير علم، والغاوي: هو العالم بالحقّ العادل عنه قصدا إلى غيره «٦» .

تدرّج الشيطان في الإغواء:

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- ما خلاصته:

على الإنسان أن ينظر فيمن يأمره بالمعصية ويحضّه عليها ويزيّنها له، وهو شيطانه الموكّل به، ويفيده هذا النّظر أن يتّخذه عدوّا، وأن يحترز منه، والانتباه لما يريده عدوّه وهو لا يشعر، لأنّ هذا الشّيطان يريد أن يظفر به في عقبة من سبع عقبات بعضها أصعب من بعض، وهو لا ينزل من العقبة الشّاقّة إلى ما دونها إلّا إذا عجز عن الظّفر به فيها، وهذه العقبات هي:

العقبة الأولى: عقبة الكفر بالله تعالى وبدينه ولقائه، وبصفات كماله وبما أخبرت به رسله عنه، فإن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح، وإن نجا الإنسان منها ببصيرة الهداية ونور اليقين طلبه في العقبة الّتي تليها وهي:

العقبة الثّانية: وهي عقبة البدعة، إمّا باعتقاد خلاف الحقّ، وإمّا بالتّعمّد بما لم يأذن به الله من الأوضاع والرّسوم المحدثة في الدّين وهي الّتي لا يقبل الله منها شيئا، والبدعة الأولى (اعتقاد الباطل) والثّانية


(١) النهاية (٣/ ٣٩٧) .
(٢) الكليات للكفوي (٥٧٦) .
(٣) كشاف اصطلاحات الفنون (٣/ ١١٠١) .
(٤) تفسير الطبري (٨/ ٩٩) .
(٥) تفسير القرطبي (٧/ ١١٢) .
(٦) تفسير ابن كثير (٤/ ٢٦٤) .