للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محفوظة من الهلاك والاستئصال:]

الأمّة المحمّديّة، أمّة مصونة مرحومة، حفظها الله وأجارها، فلا تهلك بالسّنين ولا بجوع ولا غرق، ولا يسلّط عليها عدوّا من غيرها، فيستبيح بيضتها ويستأصلها، ولو اجتمع عليها من بأقطارها وهذا من خصائصها الّتي انفردت بها على غيرها.

وقد أفصح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك في غير ما حديث:

- فعن ثوبان- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى «١» لي الأرض. فرأيت مشارقها ومغاربها. وإنّ أمّتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «٢» . وإنّي سألت ربّي لأمّتي أن لا يهلكها بسنة عامّة. وأن لا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم. فيستبيح بيضتهم «٣» . وإنّ ربّي قال: يا محمّد إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ. وإنّي أعطيتك لأمّتك أن لا أهلكهم بسنة عامّة «٤» . وأن لا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم. ولو اجتمع عليهم من بأقطارها- أو قال من بين أقطارها- حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا. ويسبي بعضهم بعضا» «٥» .

- وعن عامر بن سعد عن أبيه- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبل ذات يوم من العالية. حتّى إذا مرّ بمسجد بني معاوية، دخل فركع ركعتين. وصلّينا معه. ودعا ربّه طويلا. ثمّ انصرف إلينا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «سألت ربّي ثلاثا. فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت ربّي أن لا يهلك أمّتي بالسّنة فأعطانيها. وسألته أن لا يهلك أمّتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» «٦» .

- وعن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك- رحمه الله-؛ قال: «جاءنا عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- في بني معاوية- وهي قرية من قرى الأنصار- فقال: هل تدرون أين صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسجدكم هذا؟

فقلت: نعم- وأشرت إلى ناحية منه- فقال لي: هل تدرون ما الثّلاث الّتي دعا بهنّ فيه؟ قلت: نعم، قال:

فأخبرني بهنّ، فقلت: دعا بأن لا يظهر عليهم عدوّا من غيرهم، ولا يهلكهم بالسّنين، فأعطيهما، ودعا بأن لا


(١) زوى: معناه جمع.
(٢) الكنزين الأحمر والأبيض: المراد بالكنزين الذهب والفضة. والمراد كنزا كسرا وقيصر، ملكي العراق والشام.
(٣) فيستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم. والبيضة، أيضا: العز والملك.
(٤) أن لا أهلكهم بسنة عامة: أي لا أهلكهم بقحط يعمهم. بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة، بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام.
(٥) رواه مسلم برقم (٢٨٨٩) .
(٦) رواه مسلم برقم (٢٨٩٠) .