للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشّيخ الإمام عزّ الدّين بن عبد السّلام «١» في معرض حديثه عن خصائص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ومنها أنّ أمّته أقلّ عملا ممّن قبلهم وأكثر أجرا كما جاء في الحديث الصّحيح «٢» .

وإليك ما جاء من كلام الصّادق المصدوق ممّا يبرهن على هذه الخصوصيّة:

- عن ابن عمر- رضي الله عنهما-؛ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّما أجلكم- في أجل من خلا من الأمم- ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشّمس. وإنّما مثلكم ومثل اليهود والنّصارى كرجل استعمل عمّالا فقال: من يعمل لي إلى نصف النّهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النّهار على قيراط قيراط، ثمّ قال: من يعمل لي من نصف النّهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النّصارى من نصف النّهار إلى صلاة العصر قيراط قيراط. ثمّ قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشّمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الّذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشّمس على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرّتين. فغضبت اليهود والنّصارى فقالوا: نحن أكثر عملا وأقلّ عطاء، قال الله: هل ظلمتكم من حقّكم شيئا؟ قالوا: لا. قال: فإنّه فضلي، أعطيه من شئت» «٣» ، ويعلّق على هذا الحديث الحافظ ابن كثير رحمه الله فيقول: «والمراد من هذا التّشبيه بالعمّال تفاوت أجورهم وأنّ ذلك ليس منوطا بكثرة العمل وقلّته بل بأمور أخر معتبرة عند الله تعالى وكم من عمل قليل أجدى ما لا يجديه العمل الكثير، هذه ليلة القدر العمل فيها أفضل من عبادة ألف شهر سواها وهؤلاء أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم أنفقوا في أوقات لو أنفق غيرهم من الذّهب مثل أحد ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه من تمر، وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره وقبضه وهو ابن ثلاث وستّين على المشهور وقد برز في هذه المدّة الّتي هي ثلاث وعشرون سنة في العلوم النّافعة والأعمال الصّالحة على سائر الأنبياء قبله حتّى على نوح الّذي لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ويعمل بطاعة الله ليلا ونهارا، صباحا ومساء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء أجمعين. فهذه الأمّة إنّما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيّها وشرفه وعظمته كما قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «٤» . «٥» .


(١) انظر بداية السول (ص ٦٠) .
(٢) مثل ما أوردنا من حديث ابن عمر وأبي موسى الأشعري- رضي الله عنهم.
(٣) رواه البخاري. انظر الفتح ٦ (٣٤٥٩) .
(٤) سورة الحديد (الآية: ٢٨- ٢٩) .
(٥) انظر البداية والنهاية لابن كثير (٢/ ١٣٥) .