للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها» فقلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا. قال «نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟

قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها. ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «١» .

١٣-* (عن جرير- رضي الله عنه- قال: كناّ عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى صدر النّهار. قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابى النّمار «٢» أو العباء «٣» متقلّدى السّيوف عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتمعّر «٤» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثمّ خرج فأمر بلالا فأذّن وأقام فصلّى، ثمّ خطب، فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إلى آخر الآية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ ١) . والآية الّتى فى الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية/ ١٨) تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) : «ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها. بل قد عجزت قال: ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين «٥» من طعام وثياب حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل «٦» كأنّه مذهبة «٧» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ فى الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ فى الإسلام سنّة سيّئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «٨» .

١٤-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله


(١) البخاري ٦ (٣٦٠٦) ، ومسلم (١٨٤٧) واللفظ له.
(٢) مجتابي النمار: نصب على الحالية. أي لا بسيها خارقين أوساطها مقورين. يقال: اجتبت القميص أي دخلت فيه. والنمار جمع نمرة. وهي ثياب صوف فيها تنمير. وقيل: هي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب. كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض. أراد أنه جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف.
(٣) العباء: بالمد وبفتح العين، جمع عباءة وعباية، لغتان. نوع من الأكسية.
(٤) فتمعر: أي تغير.
(٥) كومين: هو بفتح الكاف وضمها. قال القاضي: ضبطه بعضهم بالفتح وبعضهم بالضم قال ابن سراج: هو بالضم اسم لما كوم. وبالفتح المرة الواحدة. قال: والكومة، بالضم، الصبرة. والكوم العظيم من كل شيء والكوم المكان المرتفع كالرابية. قال القاضي: فالفتح هنا أولى، لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية.
(٦) يتهلل: أي يستنير فرحا وسرورا.
(٧) مذهبة: ضبطوه بوجهين: أحدهما وهو المشهور، وبه جزم القاضي والجمهور: مذهبة. والثاني، ولم يذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين غيره: مدهنة. وقال القاضي عياض في المشارق، وغيره من الأئمة: هذا تصحيف. وذكر القاضي وجهين في تفسيره: أحدهما معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه واشراقه. والثاني شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود، وجمعها مذاهب، وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض.
(٨) مسلم (١٠١٧) .