للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجلا يريدون الحجّ وعليهم الزّرمانقات «١» وليس معهم جراب ولا طعام فدخلنا على رجل من التّجّار متقشّف يحبّ المساكين، فأضافنا تلك اللّيلة، فلمّا كان من الغد قال لحاتم: ألك حاجة فإنّي أريد أن أعود فقيها لنا هو عليل؟ قال حاتم: عيادة المريض فيها فضل والنّظر إلى الفقيه عبادة، وأنا أيضا أجيء معك.

وكان العليل محمّد بن مقاتل قاضي الرّيّ، فلمّا جئنا إلى الباب فإذا قصر مشرف حسن، فبقى حاتم متفكّرا يقول: باب عالم على هذه الحالة؟ ثمّ أذن لهم فدخلوا، فإذا دار حسناء قوراء واسعة نزهة وإذا بزّة وستور فبقي حاتم متفكّرا. ثمّ دخلوا إلى المجلس الّذي هو فيه وإذا بفرش وطيئة وهو راقد عليها وعند رأسه غلام وبيده مذبّة، فقعد الزّائر عند رأسه وسأل عن حاله- وحاتم قائم- فأومأ إليه ابن مقاتل أن اجلس فقال: لا أجلس. فقال: لعلّ لك حاجة فقال: نعم، قال: وما هي؟ قال: مسألة أسألك عنها. قال: سل، قال: قم فاستو جالسا حتّى أسألك. فاستوى جالسا. قال حاتم: علمك هذا من أين أخذته؟ فقال: من الثّقات حدّثوني به، قال: عمّن؟ قال: عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّن؟ قال:

عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّن؟ قال:

عن جبرائيل- عليه السّلام- عن الله- عزّ وجلّ-.

قال حاتم: ففيم أدّاه جبرائيل- عليه السّلام- عن الله عزّ وجلّ- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ وأدّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه، وأصحابه إلى الثّقات، وأدّاه الثّقات إليك، هل سمعت فيه من كان في داره إشراف وكانت سعتها أكثر كان له عند الله- عزّ وجلّ- المنزلة أكبر.

قال: لا. قال: فكيف سمعت؟ قال: سمعت أنّه من زهد في الدّنيا ورغب في الآخرة وأحبّ المساكين وقدّم لآخرته كانت له عند الله المنزلة، قال له حاتم: فأنت بمن اقتديت؟ أبالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه- رضي الله عنهم والصّالحين- رحمهم الله- أم بفرعون ونمروذ أوّل من بنى بالجصّ والآجرّ؟ يا علماء السّوء مثلكم يراه الجاهل المتكالب على الدّنيا الرّاغب فيها فيقول: العالم على هذه الحالة أفلا أكون أنا شرّا منه؟ وخرج من عنده فازداد ابن مقاتل مرضا. وبلغ أهل الرّيّ ما جرى بينه وبين ابن مقاتل فقالوا له: إنّ الطّنافسيّ بقزوين أكثر توسّعا منه. فسار حاتم متعمّدا فدخل عليه فقال: رحمك الله أنا رجل أعجميّ أحبّ أن تعلّمني مبتدأ ديني ومفتاح صلاتي كيف أتوضّأ للصّلاة؟ قال: نعم وكرامة، يا غلام هات إناء فيه ماء.

فأتي به فقعد الطّنافسيّ فتوضّأ ثلاثا ثلاثا ثمّ قال:

هكذا فتوضّأ. فقال حاتم: مكانك حتّى أتوضّأ بين يديك فيكون أوكد لما أريد، فقام الطّنافسيّ وقعد حاتم فتوضّأ ثمّ غسل ذراعيه أربعا أربعا فقال الطّنافسيّ:

يا هذا أسرفت، قال له حاتم: فبماذا؟ قال غسلت ذراعيك أربعا. فقال حاتم: يا سبحان الله العظيم! أنا في كفّ من ماء أسرفت، وأنت في جميع هذا كلّه لم


(١) الزرمانقات: جمع زرمانقة وهي لفظة عجمية معرّبة وهي الجبّة من الصوف.