للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- والله يعلم أنّي منه بريئة- لتصدّقنّي. والله ما أجد لكم مثلا إلّا قول أبي يوسف. قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا حينئذ أعلم أنّي بريئة وأنّ الله مبرّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظنّ أنّ الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها.

قالت: فو الله ما رام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا خرج أحد من أهل البيت حتّى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الّذي ينزّل عليه. قالت: فلمّا سرّى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّي عنه وهو يضحك. فكانت أوّل كلمة تكلّم بها: «يا عائشة، أمّا الله- عزّ وجلّ- فقد برّأك» فقالت أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلّا الله- عزّ وجلّ- وأنزل الله إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... العشر الآيات كلّها. فلمّا أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه-: وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق علي مسطح شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة ما قال.

فأنزل الله وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال أبو بكر: بلى والله إنّي أحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال: «يا زينب، ماذا علمت أو رأيت؟» فقالت:

يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. ما علمت إلّا خيرا.

قالت: وهي الّتي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك) * «١» .

١٣-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً قال سعد بن عبادة وهو سيّد الأنصار أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا معشر الأنصار ألا تسمعون إلى ما يقول سيّدكم؟

قالوا: يا رسول الله لا تلمه؛ فإنّه رجل غيور والله ما تزوّج امرأة قطّ إلّا بكرا وما طلّق امرأة له قطّ فاجترأ رجل منّا على أن يتزوّجها من شدّة غيرته. فقال سعد والله يا رسول الله إنّي لأعلم أنّها حقّ، وأنّها من الله تعالى ولكنّي قد تعجّبت أنّي لو وجدت لكاعا «٢» تفخّذها رجل لم يكن لي أن أهيّجه «٣» ، ولا أحرّكه حتّى آتي بأربعة شهداء! فو الله لا آتي بهم حتّى يقضي حاجته.


(١) البخاري- الفتح ٨ (٤٧٥٠) واللفظ في هذا الموضع، ٥ (٢٦٦١) . ومسلم (٢٧٧٠) .
(٢) اللكاع: بضم اللام وفتح الكاف: العبد، ثم استعمل في الحمق والذم.
(٣) أهيجه: أزعجه وأنفره.