للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا شكّ أنّ معرفة هذه الدّواعي وتلك الأمارات ممّا يساعد في محاولة العلاج؛ لأنّ الخطوة الأولى في علاج أيّ مرض، تنحصر في معرفة أسبابه وتحديد أعراضه للقضاء عليها والتّخلّص منها، وقد ذكر الماورديّ من هذه الدّواعي أو الأسباب:

١- اجتلاب النّفع واستدفاع الضّرّ، فيرى الكذّاب أنّ الكذب أسلم وأغنم، فيرخّص لنفسه فيه اغترارا بالخدع، واستشفافا للطّمع.

٢- أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذبا، وكلامه مستظرفا، فلا يجد صدقا يعذب ولا حديثا يستظرف، فيستحلي الكذب الّذي ليست غرائزه معوزة، ولا طرائفه معجزة.

٣- أن يقصد بالكذب التّشفّي من عدوّه فيسمه بقبائح يخترعها عليه، ويصفه بفضائح ينسبها إليه.

٤- أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتّى ألفها، فصار الكذب له عادة، ونفسه إليه منقادة «١» .

٥- حبّ التّرأّس، وذلك أنّ الكاذب يرى له فضلا على المخبر بما أعلمه، فهو يتشبّه بالعالم الفاضل في ذلك «٢» .

أمّا أمارات الكذب فمنها:

أنّك إذا لقّنته الحديث تلقّنه، ولم يكن بين ما لقّنته (إيّاه) وبين ما أورده فرق عنده، أي أنّه يخلط بين ما سمعه منك وما اخترعه من عنده.

أنّك إذا شكّكته في الحديث تشكّك حتّى يكاد يرجع فيه.

أنّك إذا رددت عليه قوله حصر وارتبك، ولم يكن عنده نصرة المحتجّين ولا برهان الصّادقين.

ما يظهر عليه من ريبة الكذّابين، ولذلك قال بعض الحكماء «الوجوه مرايا، تريك أسرار البرايا» وإذا اتّسم بالكذب، نسبت إليه شوارد الكذب المجهولة (أي الشّائعات وما في حكمها) وأضيفت إلى أكاذيبه زيادات مفتعلة، حتّى يصير هذا الكاذب مكذوبا عليه فيجمع بين معرّة الكذب منه، ومضرّة الكذب عليه «٣» .

أنواع الكذب والأسماء الدّالّة عليه:

قال الرّاغب: الكذب إمّا أن يكون اختراعا لقصّة لا أصل لها، أو زيادة في القصّة أو نقصانا يغيّران المعنى، أو تحريفا بتغيير عبارة. فما كان اختراعا يقال له الافتراء والاختلاق.

وما كان من زيادة أو نقصان يقال له: مين.

وكلّ من أورد كذبا في غيره، فهو إمّا أن يقوله في حضرة المقول فيه أو في غيبته فإن كان اختراعا في حضرة المقول فيه فهو بهتان «٤» . وإن كان في غيبته فهو كذب.


(١) أدب الدنيا والدين (٢٥٦) .
(٢) جعل الراغب ذلك من محبة النفع الدنيوي وحب الترأس الداعي إلى الكذب، انظر الذريعة (٢٧٥) .
(٣) أدب الدنيا والدين (٢٥٦) .
(٤) الذريعة (٢٧٥) .