للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معجزات ودلائل نبوّة خاتم الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وسلّم

[تمهيد:]

أجرى الله- تبارك وتعالى- على يدي أنبيائه ورسله من المعجزات الباهرات والدّلائل القاطعات والحجج الواضحات ما يدلّ على صدق دعواهم أنّهم رسل الله، وكي تقوم الحجّة البالغة على النّاس فلا يبقى لأحد عذر في عدم تصديقهم وطاعتهم. فقال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ «١» .

والفرق بين المعجزة وغيرها من الدّلالة والعلامة أنّ المعجزة يشترط فيها التّحدّي وأن يكون المتحدّى به ممّا يعجز عنه البشر في العادة المستمرّة. أمّا الدّلائل والعلامات فتقع دالّة على صدق الأنبياء والرّسل من غير سبق تحدّ وسمّيت المعجزة كذلك لعجز الخلق عن معارضتها والإتيان بمثلها.

[والمعجزة على ضربين:]

- ضرب هو من نوع قدرة البشر، فعجزوا عنه فتعجيزهم عنه فعل لله دلّ على صدق نبيّه كتحدّي اليهود أن يتمنّوا الموت.

- وضرب خارج عن قدرتهم، فلم يقدروا على الإتيان بمثله كانشقاق القمر، ممّا لا يمكن أن يفعله أحد إلّا الله تعالى فيكون ذلك على يد النّبيّ من فعل الله تعالى وتحدّي من يكذّبه أن يأتي بمثله تعجيزا له «٢» .

ومعجزات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي ظهرت على يديه تشمل كلا النّوعين. فهو صلّى الله عليه وسلّم أكثر الرّسل معجزة وأبهرهم آية وأظهرهم برهانا فله من المعجزات ما لا يحدّ ولا يعدّ، وقد ألّفت في معجزاته صلّى الله عليه وسلّم المؤلّفات الكثيرة وتناولها العلماء بالشّرح والبيان. ممّن اعتنى بجمعها من الأئمّة أبو نعيم الأصبهانيّ والبيهقيّ.

ومعجزاته صلّى الله عليه وسلّم، منها ما نقل إلينا نقلا متواترا من طرق كثيرة تفيد القطع عند الأمّة.

ومنها ما لم يبلغ مبلغ الضّرورة والقطع وهو على نوعين:

- نوع مشتهر منتشر، رواه العدد وشاع الخبر به عند أهل العلم بالآثار، ونقلته السّير والأخبار، كنبع الماء من بين أصابعه الشّريفة صلّى الله عليه وسلّم، وتكثيره الطّعام.

- ونوع منه اختصّ به الواحد والاثنان ورواه العدد اليسير ولم يشتهر اشتهار غيره لكنّه إذا جمع إلى مثله اتّفقا في المعنى واجتمعا على الإتيان بالمعجز «٣» .


(١) سورة الحديد: من الآية رقم (٢٥) .
(٢) انظر الشفا للقاضي عياض (١/ ٤٩١، ٤٩٢) بتصرف.
(٣) المرجع السابق (١/ ٤٩٥) .