للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرف الميم]

[المجاهرة بالمعصية]

[المجاهرة لغة:]

مصدر قولهم: جاهر يجاهر مجاهرة، وهو مأخوذ من مادّة (ج هـ ر) الّتي تدلّ على إعلان الشّيء وكشفه وعلوّه، يقال: جهرت بالكلام، أعلنت به، ورجل جهير الصّوت، أي عاليه، قال الشّاعر:

أخاطب جهرا إذ لهنّ تخافت ... وشتّان بين الجهر والمنطق الخفت «١»

وقولهم: جهرت البئر واجتهرتها معناه نقّيتها وأخرجت ما فيها من الحمأة، وهي بئر مجهورة (أي منقّاة صافية) ، وقول الله تعالى: حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ... (البقرة/ ٥٥) أي عيانا يكشف ما بيننا وبينه «٢» ، وأصل الجهر الظّهور، ومن ذلك: الجهر بالقراءة إنّما هو إظهارها والمجاهرة بالمعاصي، المظاهرة بها، ورأيت الأمير جهارا وجهرة أي غير مستتر بشيء «٣» ، وقد لخّص الفيروز اباديّ معاني هذه المادّة فقال: المادّة موضوعة لإظهار الشّيء بإفراط لحاسّة البصر أو لحاسّة السّمع، أمّا البصر فنحو

قولك: رأيته جهارا (بفتح الجيم وكسرها) وأمّا للسّمع فنحو قولهم: جهر بالكلام «٤» ، ومن الأخير ما جاء في حديث عمر- رضي الله عنه- أنّه كان مجهرا، أي صاحب جهر ورفع لصوته «٥» ، أمّا المجاهرون في قوله صلّى الله عليه وسلّم «كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين» «٦» فهم الّذين جاهروا بمعاصيهم، وأظهروها وكشفوا ما ستر الله عليهم منها فيتحدّثون به «٧» .

وقال ابن منظور: يقال: جهر بالقول، إذا رفع به صوته فهو جهير، وأجهر فهو مجهر إذا عرف بشدّة الصّوت، وجهر الشّيء علن وبدا، وجهر بكلامه ودعائه وصوته وصلاته وقراءته يجهر جهرا وجهارا، وأجهر بذلك أعلنه وأظهره، وفرّق بعضهم بين جهر وأجهر فقال: جهر: أعلى الصّوت، وأجهر: أعلن، وكلّ إعلان جهر وجاهرهم بالأمر مجاهرة وجهارا:

عالنهم، وأمر مجهر أي واضح بيّن، وقد أجهرته أنا إجهارا أي شهّرته، فهو مجهور به مشهور، والمجهورة


(١) مقاييس اللغة لابن فارس ١/ ٤٨٧.
(٢) الصحاح ٢/ ٦١٧.
(٣) تفسير القرطبي ١/ ٤٠٤.
(٤) بصائر ذوي التمييز ٢/ ٤٠٤.
(٥) النهاية لابن الأثير ١/ ٣٢١، ووقع في اللسان تصحيف للفظ إذ ورد فيه «مجهرا» بكسر الميم وفتح الهاء، انظر اللسان ٤/ ١٥٠ (ط: بيروت) .
(٦) انظر في تخريج هذا الحديث، هامش (١) في قسم الاحاديث.
(٧) النهاية لابن الأثير ١/ ٣٢١.