للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثمّ تاب تاب الله عليه. فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مقالته قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال: والله لا أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلّم.

قالت: وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن، فقلت: إنّي والله لقد علمت أنّكم سمعتم ما يتحدّث به النّاس ووقر في أنفسكم وصدّقتم به، وإن قلت لكم إنّي بريئة- والله يعلم أنّي بريئة- لا تصدّقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أنّي بريئة- لتصدّقنّي. والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا أبا يوسف إذ قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ ١٨) . ثمّ تحوّلت على فراشى وأنا أرجو أن يبرّئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلّم بالقرآن في أمري.

ولكنّنى كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا تبرّئني، فو الله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتّى أنزل عليه الوحي. فأخذه ما يأخذه من البرحاء، حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات. فلمّا سرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال لي: «يا عائشة، احمدي الله، فقد برّأك الله» . قالت لي أمّي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلّا الله.

فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ ١١) الآيات. فلمّا أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه- والله لا أنفق على مسطح بشيء أبدا بعد أن قال لعائشة، فأنزل الله تعالى وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا إلى قوله غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور/ ٢٢) . فقال أبو بكر: بلى والله، إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الّذي كان يجري عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال:

يا زينب، ما علمت؟ ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلّا خيرا. قالت:

وهي الّتي كانت تساميني. فعصمها الله بالورع» ) * «١»

٢١-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان معاذ يصلّى مع النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ثمّ يأتي فيؤمّ قومه. فصلّى ليلة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلّم العشاء، ثمّ أتى قومه

فأمّهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلّم، ثمّ صلّى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا. والله لآتينّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلأخبرنّه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّا أصحاب نواضح «٢» . نعمل بالنّهار، وإنّ معاذا صلّى معك العشاء، ثمّ أتى فافتتح بسورة البقرة. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على معاذ فقال: «يا معاذ، أفتّان أنت؟ اقرأ بكذا، واقرأ بكذا» ) * «٣» .


(١) البخاري- الفتح ٥ (٢٦٦١) واللفظ له، ومسلم (٢٧٧٠) .
(٢) أصحاب نواضح أي نسقى زرعنا بالدّلاء.
(٣) البخاري- الفتح ٢ (٧٠٥) ، ومسلم (٤٦٥) واللفظ له.