للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود الكلام على قوله: «وبارك على محمّد، وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم» فهذا الدّعاء يتضمّن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته وثبوته له، ومضاعفته له وزيادته، هذا حقيقة البركة، وقد قال تعالى في إبراهيم وآله: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ* وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ «١» . وقال تعالى فيه وفي أهل بيته: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «٢» .

وتأمّل كيف جاء في القرآن: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ ولم يذكر إسماعيل. وجاء في التّوراة ذكر البركة على إسماعيل، ولم يذكر إسحاق كما تقدّمت حكايته، وعن إسماعيل «شمعتك، هانا باركتخ» (أي: ها أنا باركتك) فجاء في التّوراة ذكر البركة في إسماعيل إيذانا بما حصل لبنيه من الخير والبركة، لا سيّما خاتمة بركتهم وأعظمها وأجلّها برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنبّههم بذلك على ما يكون في بنيه من هذه البركة العظيمة الموافية على لسان المبارك صلّى الله عليه وسلّم، وذكر لنا في القرآن بركته على إسحاق منبّها لنا على ما حصل في أولاده من نبوّة موسى عليه السّلام وغيره، وما أوتوه من الكتاب والعلم مستدعيا من عباده الإيمان بذلك، والتّصديق به، وأن لا يهملوا معرفة حقوق هذا البيت المبارك وأهل النّبوّة منهم، ولا يقول القائل: هؤلاء أنبياء بني إسرائيل لا تعلّق لنا بهم، بل يجب علينا احترامهم، وتوقيرهم، والإيمان بهم، ومحبّتهم، وموالاتهم، والثّناء عليهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ولمّا كان هذا البيت المبارك المطهّر أشرف بيوت العالم على الإطلاق خصّهم الله سبحانه وتعالى منه بخصائص:

منها: أنّه جعل فيه النّبوّة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم عليه السّلام نبيّ إلّا من أهل بيته.

ومنها: أنّه سبحانه جعلهم أئمّة يهدون بأمره إلى يوم القيامة، فكلّ من دخل الجنّة من أولياء الله بعدهم، فإنّما دخل من طريقهم وبدعوتهم.

ومنها: أنّه سبحانه اتّخذ منهم الخليلين: إبراهيم، ومحمّدا صلّى الله عليه وسلّم، وقال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا «٣» .

وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا» «٤» . وهذا من خواصّ البيت.

ومنها: أنّه سبحانه جعل صاحب هذا البيت إماما للعالمين، كما قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «٥» .

ومنها: أنّه أجرى على يديه بناء بيته الّذي جعله قياما للنّاس وقبلة لهم وحجّا، فكان ظهور هذا البيت من


(١) سورة الصافات: ١١٢، ١١٣.
(٢) سورة هود: ٧٣.
(٣) سورة النساء: ١٢٥.
(٤) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٩/ ٥) وعزاه للطبراني وقال: وفيه يزيد الألهاني وهو ضعيف.
(٥) سورة البقرة: ١٢٤.