للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجائع، أو يصير الفاعل به حسنا بنفسه، فعلى الأوّل:

الهمزة في أحسن للتّعدية وعلى الثّاني للصّيرورة «١» .

[حقيقة الإحسان:]

فسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإحسان حين سأله جبريل، صلوات الله وسلامه عليه، فقال: «هو أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لّم تكن تراه فإنّه يراك» . أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطّاعة؛ فإنّ من راقب الله أحسن عمله، وهو تفسير قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (النحل/ ٩٠) . ولذلك عظّم الله ثواب أهل الإحسان، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ ١٩٥) وقال عزّ وجلّ: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ ٦٠) أي ما جزاء من أحسن في الدّنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة.

والفرق بين الإحسان والإنعام أنّ الإحسان يكون لنفس الإنسان ولغيره. تقول: أحسنت إلى نفسي، والإنعام لا يكون إلّا لغيره.

وقال الفيروز اباديّ: الإحسان يقال على وجهين: أحدهما الإنعام على الغير. تقول: أحسن إلى فلان، والثّاني إحسان في فعله. وذلك إذا علم علما حسنا، أو عمل عملا حسنا. والإحسان أعمّ من الإنعام، وقال: الإحسان من أفضل منازل العبوديّة؛ لأنّه لبّ الإيمان وروحه وكماله. وجميع المنازل منطوية فيها، قال تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ ٦٠) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه» . والإحسان يكون في القصد بتنقيته من شوائب الحظوظ، وتقويته بعزم لا يصحبه فتور، وبتصفيته من الأكدار الدّالّة على كدر قصده. ويكون الإحسان في الأحوال بمراعاتها وصونها غيرة عليها أن تحوّل «٢» .

الإحسان- إذن- وفي معنى عامّ: المعاملة بالحسنى ممّن لا يلزمه إلى من هو أهل لها. ذلك أنّ الحسن يعني: ما كان محبوبا عند المعامل به، وليس لازما لفاعله.

[درجات الإحسان:]

ويأتي الإحسان على درجات متعدّدة، وكلّها ينضوي تحت المفهوم الشّامل السّابق، وأعلاه: ما كان في جانب الله تعالى، ممّا فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله في الحديث المشهور «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» . ودونه التّقرّب إلى الله تعالى بالنّوافل.

وتأتي بعد ذلك مراتب أخرى للإحسان سواء في القصد والنّيّة، أو في الفعل، والإحسان في النّيّة يعدّ أمرا مهمّا، إذ لابدّ أن تنقّى تنقية سليمة وافرة، أمّا الإحسان في الفعل أي في المعاملة مع الخلق فيكون فيما زاد على الواجب شرعا، ويدخل فيه جميع الأقوال والأفعال ومع سائر أصناف الخلائق إلّا ما حرّم الإحسان إليه بحكم الشّرع.

ومن أدنى مراتب الإحسان، ما ورد في


(١) كشاف اصطلاحات الفنون (٢/ ١٤٨) وما بعدها والتوقيف على مهمات التعاريف لمحمد عبد الرءوف المناوي (٤١) والمفردات للراغب (١١٩) ، والكليات للكفوي (٥٣) .
(٢) لسان العرب لابن منظور (١٣/ ١١٥- ١١٧) ، وبصائر ذوي التمييز للفيروزابادي (٢/ ٤٦٥- ٤٦٦) .