للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن تضجعها» «١» ، إنّ الإحسان يقتضي من المسلم ألّا يضيّع وقته هباء، وأن يصرف جهده إلى النّافع من الأمور، فعن الشّريد- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قتل عصفورا عبثا عجّ إلى الله يوم القيامة «٢» يقول: يا ربّ إنّ فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة» «٣» .

ويقول ماجد الكيلانيّ: يتضافر كلّ من العدل والإحسان في تحقيق الشّعار الّذي ترفعه فلسفة التّربيّة الإسلاميّة وهو شعار بقاء النّوع البشريّ ورقّيّه، وإذا كانت ثمرة العدل هي بقاء النّوع البشريّ فإنّ الإحسان يثمر الرّقيّ لأنّه يعني التّفضّل والعطاء دون مقابل من الجزاء أو الشّكر، ويؤدّي إلى توثيق الرّوابط وتوفير التّعاون «٤» .

[الإحسان من أهم وسائل نهضة المسلمين:]

إنّ الإحسان يقتضي من المسلم إتقان العمل المنوط به إتقان من يعلم علم اليقين أنّ الله- عزّ وجلّ- ناظر إليه مطّلع على عمله، وبهذا الإتقان تنهض الأمم وترقى المجتمعات «٥» .

[إحسان الله إلى عباده:]

إذا تدبّر العبد، علم أنّ ما هو فيه من الحسنات من فضل الله؛ فشكر الله؛ تعالى فزاده من فضله عملا صالحا، ونعما يفيضها عليه. وإذا علم أنّ الشّرّ لا يحصل له إلّا من نفسه بذنوبه، استغفر وتاب؛ فزال عنه سبب الشّرّ؛ فيكون العبد دائما شاكرا مستغفرا، فلا يزال الخير يتضاعف له، والشّرّ يندفع عنه. كما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول في خطبته: «الحمد لله» ، فيشكر الله. ثمّ يقول: «نستعينه ونستغفره» ، نستعينه على الطّاعة، ونستغفره من المعصية. ثمّ يقول: «ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا» ، فيستعيذ به من الشّرّ الّذي في النّفس، ومن عقوبة عمله؛ فليس الشّرّ إلّا من نفسه ومن عمل نفسه؛ فيستعيذ الله من شرّ النّفس أن يعمل بسبب سيّئاته الخطايا، ثمّ إذا عمل استعاذ بالله من سيّئات عمله، ومن عقوبات عمله فاستعانه على الطّاعة وأسبابها، واستعاذ به من المعصية وعقابها.

فعلم العبد بأنّ ما أصابه من حسنة فمن الله، وما أصابه من سيّئة فمن نفسه- يوجب له هذا وهذا.

فهو سبحانه فرّق بينهما هنا، بعد أن جمع بينهما في قوله قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

فبيّن أنّ الحسنات والسّيّئات، والنّعم والمصائب، والطّاعات والمعاصي، على قول من أدخلها في «من عند الله» ، ثمّ بيّن الفرق الّذي ينتفعون به، وهو أنّ هذا الخير من نعمة الله؛ فاشكروه يزدكم، وهذا الشّرّ من ذنوبكم؛ فاستغفروه يدفعه عنكم «٦» .


(١) المحاور الخمسة للقرآن الكريم، والحديث المذكور في الترغيب والترهيب (٣/ ٢٠٤) ، قال المنذري: الحديث صحيح على شرط البخاري، وقد رواه الطبراني في الكبير والأوسط، كما رواه الحاكم واللفظ له.
(٢) عجّ: أي شكا بصوت عال مرتفع.
(٣) الترغيب والترهيب ٣/ ٢٠٤.
(٤) فلسفة التربية الإسلامية (باختصار وتصرف) ص ١٤٤.
(٥) المحاور الخمسة للقرآن الكريم (١٩٢) .
(٦) انظر: الحسنة والسيئة لابن تيمية (٤٩- ٥٠) بتصرف يسير.