للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بين الحسنة والإحسان:]

قال الفيروزاباديّ: الحسنة يعبّر بها عن كلّ ما يسرّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، قال تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (النساء/ ٧٨) ، أي خصب وسعة وظفر، أمّا الإحسان فإنّه يقال على وجهين: أحدهما الإنعام على الغير، والثّاني: الإحسان في الفعل أو العمل، وعلى هذا قول الإمام عليّ- كرّم الله وجهه ورضي عنه-: «النّاس أبناء ما يحسنون» أي منسوبون إلى ما يعملونه من الأفعال الحسنة «١» . والعلاقة بين الأمرين واضحة لأنّ من يحسن إلى نفسه بإخلاص التّوحيد والعبادة، أو إلى غيره بالقول أو الفعل فإنّ ذلك يثمر له الحسنى وهي الجنّة، فالحسنة والإحسان كلاهما مأخوذان من الحسن الّذي من شأنه أن يسرّ من يتحلّى به في الدّنيا والآخرة.

[فمن معاني الحسنة:]

١- التّوحيد، وثمرته الجنّة، قال تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ ٦٠) . قال عكرمة: (المعنى) هل جزاء من قال لا إله إلّا الله إلّا الجنّة؟ وقال ابن زيد: هل جزاء من أحسن في الدّنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة «٢» .

٢- ومن معانيها: النّصر والغنيمة، كما في قوله تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (آل عمران/ ١٢٠) ، وهذه ثمرة الإحسان المشار إليه في قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ ١٩٥) .

٣- ومن معانيها: المطر والخصب، وهي ثمرة من ثمرات إحسان الله على عباده وتفضّله عليهم، وذلك ما أشار إليه المولى عزّ وجلّ وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ (القصص/ ٧٧) .

٤- ومن معانيها: العافية، كما في قوله تعالى:

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ (الرعد/ ٦) ، وهذه كسابقتها من ثمار إحسان الله تعالى على عباده برّهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم.

٥- ومن معانيها: قول المعروف، وذلك كما في قوله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... فصلت/ ٣٤) ، وهذه ثمرة الإحسان بمعنى الفضل والعفو عن المسيء مع المقدرة على عقوبته ولو بمثل ما فعل، وهذا هو الإحسان المشار إليه في قوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران/ ١٣٤) .

٦- ومن معانيها: فعل الخيرات، كما في قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (الأنعام/ ١٦٠) ، وهذه ثمرة الإحسان إلى النّفس بإعطائها ما وعد الله به المحسنين في قوله: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ (الإسراء/ ٧) .

وقوله سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ


(١) بصائر ذوي التمييز (٢/ ٤٦٥) .
(٢) تفسير القرطبي (١٧/ ١٨٢) ، وانظر تفسير ابن عباس- رضي الله عنهما- لهذه الآية الكريمة فيما نقلناه عن ابن القيم في منزلة الإحسان.