للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التصق منه بالعظم) ، وكذلك العائذ قد استمسك بالمستعاذ به واعتصم به ولزمه، والقولان حقّ، والاستعاذة تنتظمهما جميعا، لأنّ المستعيذ مستتر بمعاذه مستمسك به «١» .

[الاستعاذة اصطلاحا:]

هي اللّجوء إلى الله- عزّ وجلّ- والاعتصام به من شرّ كلّ ذي شرّ «٢» .

والاستعاذة تتضمّن مستعاذا به ومستعاذا منه وصيغة، وسنتناول ذلك بإيجاز- فيما يلي:-

[المستعاذ به:]

ويسمّى المعاذ والمستعاذ، وهو الله وحده، ولا تنبغي الاستعاذة إلّا به جلّ وعلا وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكلماته التّامة، «ولا يستعاذ بأحد من خلقه، وقد أخبر سبحانه عمّن استعاذ بخلقه أنّ استعاذته زادته طغيانا ورهقا «٣» . قال تعالى حكاية عن مؤمني الجنّ وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (الجن/ ٦) يقول ابن كثير فى تفسيرها: كنّا نرى أن لنا فضلا على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري كما كانت عادة العرب في جاهليّتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجانّ أن يصيبهم بشيء يسوءهم. فلما رأت الجنّ أنّ الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم خوفا وإرهابا وذعرا حتّى يبقوا أشدّ منهم مخافة وأكثر تعوّذا» «٤» .

[المستعاذ منه:]

المستعاذ منه هو كلّ ما يصيب الإنسان من الشّرّ، وقد لخّص ابن القيّم- رحمه الله تعالى- أنواع هذا الشّرّ فقال: الشّرّ الذي يصيب الإنسان لا يخلو من قسمين: إمّا ذنوب وقعت منه، وهذا راجع إلى الإنسان نفسه، وإمّا شرّ يقع بالإنسان من غيره، وذلك الغير إمّا مكلّف أو غير مكلّف، والمكلّف إمّا نظيره وهو الإنسان، أو ليس نظيره وهو الجنّيّ، وغير المكلّف مثل الهوامّ وذوات الحمة «٥» ونحوها. وقد تضمّنت المعوّذتان «٦» الاستعاذة من هذه الشّرور، ففي سورة الفلق الاستعاذة من:

١- شرّ المخلوقات الّتي لها شرّ عموما.

٢- شرّ الغاسق إذا وقب (أي اللّيل إذا دخل وأقبل) .

٣- شرّ النّفّاثات في العقد.

٤- شرّ الحاسد إذا حسد «٧» .

أمّا سورة النّاس فقد تضمنت الاستعاذة من الشّرّ الّذي هو سبب ظلم العبد نفسه (أي الشّرّ الدّاخليّ) وهو الوسوسة النّاجمة عن الشّيطان، وهو شرّ داخل تحت التّكليف ويتعلق به النّهي، وهو شرّ المعائب، أمّا الّذي في سورة الفلق فهو شرّ المصائب، والشّرّ كلّه يرجع إمّا إلى المعائب وإمّا إلى المصائب، والوسواس هو الشّيطان نفسه، وقد جاء وصفه


(١) التفسير القيم ص ٥٣٨- ٥٣٩ بتصرف واختصار.
(٢) قرة عيون الموحدين للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ يرحمه الله (٥٥) .
(٣) التفسير القيم ص ٥٤٢.
(٤) تفسير ابن كثير ٤/ ٥٤٧، وانظر أيضا التفسير القيم في الموضع السابق.
(٥) ذوات الحمة: كل ما يلدغ من العقارب والحيّات ونحوها.
(٦) المعوذتان هما سورتا الفلق والناس.
(٧) التفسير القيم ص ٥٤٣، ٥٤٤.