للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالخنّاس «١» لأنّه كلّما ذكر الله انخنس، أي توارى واختفى، ثم إذا غفل الإنسان عاوده بالوسوسة «٢» .

وقد وردت الاستعاذة في القرآن الكريم من الجهل (انظر الآيات ٨، ٩) ، ومن الفحش (الآية ١٠، ١٢) ومن الظّلم (آية ١١) ، ومن المتكبّرين الكافرين (آية ١٣) ، ومن الرّجم (آية ١٤) ، أمّا في الحديث الشّريف، فقد وردت الاستعاذة من شرّ السّمع والبصر واللّسان والقلب والفرج (حديث ٣) ومن الشّرّ كلّه عاجله وآجله (حديث ٧، ١٧) ، ومن عذاب القبر وعذاب جهنّم ومن فتنة المحيا وفتنة الممات وفتنة المسيح الدّجّال (حديث ١٤) ومن شرّ المرأة والخادم (حديث ١٦) ، وشرّ الرّياح وما أرسلت به (حديث ١٧) ، ومن جار السّوء في دار المقام (حديث ٢٤) ومن ضيق المقام يوم القيامة من شرّ ما عمل الإنسان (من الذّنوب والمعاصي) (حديث ٢٩، ٣١) ، ومن سخط الله وعقوبته (حديث ٣٢) ، ومن الهمّ والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وثقل الدّين وغلبة الرّجال (حديث ٣٣) ، ومن زوال النّعمة وتحوّل العافية (حديث ٤٠) ، وشرّ النّفس والشّيطان (حديث ٤٦، ٤٧) .

[حكم الاستعاذة وصيغتها:]

الاستعاذة عند قراءة القرآن مطلوبة، والجمهور على أنّها مندوبة، وذكر عن عطاء أنّها واجبة «٣» . أمّا صغتها فقد اختار الجمهور أن يقول القارىء: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم، وعلّة اختيار ذلك ما وقع في النّصّ بلفظ الأمر الّذي معناه التّرغيب، وذلك في قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (النحل/ ٩٨) ، فحضّنا الله على قول «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» عند القراءة وعلينا امتثال هذا الّذي رغّبنا فيه عند افتتاحها «٤» .

وقال ابن الباذش: والّذي صار إليه معظم أهل الأداء «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» لما روى عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وجبير بن مطعم- رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استعاذ عند القراءة بهذا اللّفظ بعينه، وجاء تصديقه في التّنزيل «٥» .

أمّا الاستعاذة في المواطن الأخرى فحكمها النّدب أيضا «٦» ، ولها صيغ عديدة جاءت بها الآيات مثل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، ... بِرَبِّ النَّاسِ، والأحاديث مثل: «اللهمّ إنّي أعوذ بك، أعوذ بالله وقدرته، أعوذ بكلمات الله التّامّات، اللهمّ أعوذ برضاك ... ، اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وربّ إسرافيل أعوذ بك من كذا» .

[للاستزادة: انظر صفات: الاستعانة- الاستغاثة- الاستخارة- الابتهال- التوكل- الدعاء الضراعة والتضرع.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغي والإغواء الفتنة- الغرور- الغفلة- الكبر والعجب] .


(١) الخنّاس، مأخوذ من خنس ومعناها الاختفاء بعد الظهور، وقيل: الرجوع إلى الوراء والخنّاس مأخوذ من هذين المعنيين لأن العبد إذا غفل عن ذكر الله تعالى جثم على قلبه الشيطان وبذر فيه الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، فإذا ذكر العبد ربه، واستعاذ به انخنس وانقبض وولّى هاربا لأنه جبان وضعيف يهرب عند ذكر الله تعالى. التفسير القيم لابن القيم ص ٦٠٦.
(٢) المرجع السابق ص ٦٠٧.
(٣) البحر المحيط ٥/ ٥١٧.
(٤) كتاب الكشف عن وجوه القراءات السبع ١/ ٩.
(٥) كتاب الاقناع في القراءات السبع ١/ ١٥١.
(٦) تفسير القرطبي ١/ ٨٨.