للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيء من أنواع العبادة والاستعانة، إذ إنّ أنواع العبادة متعلّقة كلّها بألوهيّته، والاستعانة متعلّقة بربوبيّته، والله ربّ العالمين لا إله إلّا هو، ولا ربّ لنا غيره، لا ملك ولا نبيّ ولا غيره «١» .

[الاستعانة بالأعمال الصالحة:]

جاء الأمر الإلهيّ بالاستعانة بالصّبر والصّلاة في الآية الكريمة وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (البقرة/ ٤٥) ، وقوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ ١٥٣) فما معنى الاستعانة بذلك؟

يقول الإمام الطّبريّ في تفسير ذلك:

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ: أي استعينوا على الوفاء بعهدي الّذي عاهدتموني في كتابكم، من طاعتي واتّباع أمري وترك ما تهوونه من الرّياسة وحبّ الدّنيا إلى ما تكرهونه من التّسليم لأمري واتّباع رسولي محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالصّبر عليه والصّلاة، وقد قيل: إنّ معنى الصّبر في هذا الموضع الصّوم، والصّوم من معاني الصّبر «٢» .

[الإنسان محتاج إلى الله في كل حال ولكل شأن:]

قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: «العبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات، والصّبر على المقدورات كلّها في الدّنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلّا الله- عزّ وجلّ-.

فمن حقّق الاستعانة عليه في ذلك كلّه أعانه الله، ومن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به، فصار مخذولا وهو كذلك في أمور الدّنيا لأنّه عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضارّه، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه جميعا إلّا الله- عزّ وجلّ- فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله الله فهو المخذول. وهذا هو تحقيق معنى قول العبد «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» . والمعنى أنّ العبد لا يتحوّل حاله من حال إلى حال ولا قوّة له على ذلك إلّا بالله- عزّ وجلّ-» «٣» .

[معنى الاستعانة:]

وقد سوّى ابن القيّم بين التّوكّل والاستعانة وقال في تعريفهما: التوكّل والاستعانة: حال للقلب ينشأ عن معرفته بالله تعالى، والإيمان بتفرّده بالخلق، والتّدبير والضّرّ والنّفع، والعطاء والمنع، وأنّه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وإن شاءه النّاس، فيوجب له هذا اعتمادا عليه (واستعانة به) ، وتفويضا إليه وطمأنينه به، وثقة به، ويقينا بكفايته لما توكّل عليه فيه واستعان به عليه، وأنّه مليّ به، ولا يكون إلّا بمشيئته، شاء النّاس ذلك أم أبوه «٤» .

[منزلة الاستعانة ومكانتها:]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: الاستعانة تجمع أصلين: الثّقة بالله، والاعتماد عليه، فإنّ العبد قد يثق بالواحد من النّاس وهو مع ذلك لا يعتمد عليه لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه- مع عدم ثقته به-


(١) مجموع الفتاوى (١/ ٧٤٣٤) بتصرف شديد، وتفسير الطبري (١/ ٢٩٨) .
(٢) تفسير الطبري (١/ ٢٩٨) .
(٣) جامع العلوم والحكم (١٨٢) بتصرف.
(٤) مدارج السالكين (١/ ٩٤) .