للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النفس الإنسانية ودورها في المجال الأخلاقي]

للنفس الإنسانية دور بارز فيما يتعلّق بالأخلاق لأنها إما أن تساعد صاحبها على أن يكون من الأخيار وهي النفس المطمئنة، وإما أن تلومه على السيئات فتدفعه إلى التوبة والاستغفار، كما تلومه على عدم الإكثار من الحسنات وهذه هي النفس اللوامة، وإما أن تأمره بالشر وارتكاب المعاصي وتلك هي النفس الأمارة بالسوء، ولهذه المواقف الثلاث تأثير بالغ على تحلي الإنسان بالأخلاق الفاضلة أو الوقوع في براثن الرذيلة والاتصاف بسوء الخلق، والتناسب بين هذه الحالات الثلاث تناسب عكسي، فكلما قويت النفس المطمئنة التي ألهمها الله التقوى ضعفت النفس الأمارة بالسوء التي ألهمت الفجور، وبينهما النفس اللوامة «٢» ، وهي تلك التي تلوم على ما فات، وتندم عليه، فتلوم على الشر لم فعلته؟ وتلوم على الخير لم لا تستكثر منه؟ ومن ثم تكون اللوامة: التي تلوم صاحبها باستمرار وهي بذلك صفة مدح، فإذا كانت كل من النفس المطمئنة والنفس الأمّارة تقومان بعملية التوجيه، فإن النفس اللوامة تقوم بعملية المراجعة والتقويم انطلاقا من الفطرة التي تستحسن الخير وتحث عليه، وهنا ندرك لماذا كانت القسمة ثنائية في قوله تعالى: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها فجعل للنفس قسمين فقط هما: التقية بأمر ربها، والفاجرة بإذن صاحبها، أما إذا نظرنا إلى طبيعة الإنسان وما منحه الله من عقل يميّز به بين الطيب والخبيث، وبين الحسن والرديء في ضوء الشرع، فقد زود الإنسان بقوة ثالثة تتولى عملية التوازن وتقوم بدور التصحيح، ألا وهي النفس اللوامة. [انظر الكشاف التوضيحي (١٠- ١٣ أ) ، وانظر كذلك خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية] .

[الدور الأخلاقي للنفس المطمئنة]

أما النفس المطمئنة فإنها تأمر بالخير وتحض عليه، ويكون من نتيجة الالتزام بذلك تخلّق الإنسان بالأخلاق الطيبة في جميع علاقاته، وفي كل ما يصدر عن قلبه أو جوارحه أو لسانه، ففيما يتعلّق بعلاقته مع الله- عز وجل- نجد قلبه يعمر بالإيمان، والرضا، والتوحيد، والتقوى، والرجاء، والخوف، ونجد هذا القلب فيما يتعلق بالإنسان نفسه متصفا بالأمانة، والتأني، والتفاؤل، والحياء، والسكينة، والطمأنينة، أما فيما يتعلق بالغير فنجده ممتلئا بالسماحة والرحمة والرفق والمحبة ... ونحو ذلك. وإذا انتقلنا إلى مجال الأعمال الظاهرة أو أعمال الجوارح لوجدنا أعمال الإسلام من صلاة وصيام وحج، ووجدنا في النفس الاستقامة والطهارة وأكل الطيبات، وفيما يتعلّق بالغير نجد الإنسان متخلقا بالإحسان والإخاء والأدب والإنفاق والبر وحسن العشرة وحسن المعاملة وصلة الرحم وكفالة اليتيم والمروءة والمواساة ونحو ذلك.


(١) روي هذا الحديث بطرق مختلفة، وأصله في البخاري ومسلم، وقد أورده المفسرون عند تفسير الآية ١٩ من سورة آل عمران، انظر تفسير القرطبي ٤/ ٣١٠، وتفسير ابن كثير ١/ ٤١٧، وقد ذكرنا الحديث بتمامه في الموسوعة ٤/ ١٠٧٠ فلينظر تخريجه هناك.
(٢) اختلف المفسرون اختلافا كبيرا في معنى النفس اللوامة، فقيل هي التي تلوم على الخير والشر، وروي عن مجاهد أنها التي تندم على ما فات (تفسير ابن كثير ٤/ ٤٧٧) ، وقال القرطبي: هي نفس المؤمن الذي لا تراه إلا يلوم نفسه، ويقول ما أردت كذا فلا تراه إلا يعاتب نفسه، وقد نقل القرطبي ذلك عن ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم، انظر تفسير القرطبي ١٩/ ٩٣، وانظر ما نقلنا آنفا صفحة (ع ح) عن ابن القيم في تفسير معنى اللوامة وتقسيمه لها إلى: لوامة غير ملومة، ولوامة ملومة.

<<  <  ج: ص:  >  >>