للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كانت النفس اللوامة أو ما يمكن أن نسميه بمراقبة الضمير ضعيفة ولا تستطيع مقاومة إغواء الشيطان فإن الإنسان يستمر في غيّه ويرتد أسوأ مما كان، فنشاهد منه الغضب والإحباط والعجلة والنسيان ونحو ذلك.

هذا وللنفس اللوامة أيضا تأثيرها القوي على النفس المطمئنة لأنها تشكل خطّا ثانيا للدفاع عن اليقين الديني وتأمل دائما في المزيد من الخير، وهنا تكون النفس المطمئنة مدعومة بقوتين عظيمتين إحداهما: حفظ الملائكة والأخرى النفس اللوامة، أما القوة الأولى فتحفظ الإنسان من الغرور والمن بالطاعة ونحو ذلك من الموبقات، أما الثانية فإنها تدفع إلى؟ مزيد من الكمال وتحمي من التقصير ويكون من نتيجة ذلك اتجاه الطائع إلى الحمد والشكر والإحسان والإنفاق والبر ونحوها [انظر الكشاف التوضيحي (١٢ أ) ] .

ونظرا لأهمية العلاقة بين النفس الإنسانية وقضية الابتلاء، فقد قمنا بمحاولة متواضعة توضح مدى التناسب العكسي بين قوى النفس الثلاث، النفس المطمئنة والنفس اللوامة من ناحية والنفس الأمارة. مدعومة بغواية الشيطان ورفقاء السوء. من ناحية أخرى [انظر خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية] .

وتجسد خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية علاقة الابتلاء سواء أكان ابتلاء تكليف (طاعات/ معاصي) أو ابتلاء فتنة (سراء/ ضراء) بالنفس الإنسانية. ويكشف أيضا بين الصراع الدائم بين النفس المطمئنة والتي ألهمت التقوى، ومن ثم فهي تأمر بالخير وتحض عليه، والنفس الأمارة التي ألهمت الفجور، ومن ثم فهي تأمر بالشر وتغري به، وبينهما النفس اللوامة، وهي التي تقوم بدور المراقبة والمجاهدة والمحاسبة والتصحيح.

ويلاحظ في هذه الخريطة أن التناسب عكسي بين قوة النفس الأمارة من ناحية، وقوة النفس المطمئنة واللوامة من ناحية أخرى فكلما قويت إحداهما ضعفت الأخرى.

[الابتلاء والقيم الخلقية]

إن الابتلاء هو قاعدة حركة الحياة في معطيات الإسلام عن الحياة وعن الإنسان، ومن أجلها سخر كل ما في الكون له، ووجدت الرسالات وأرسلت الرسل، ووجدت إرادة الإنسان الحرة الفاعلة، الملتزمة بإعمار الأرض وبناء الحضارة على أسس خلقية لإسعاد الناس جميعا.

إن عملية التربية الخلقية لها أصولها وقد بيّنا ذلك في الفصل الثاني من «الأخلاق والقيم التربوية في الإسلام» في هذه الموسوعة، سواء ارتدت في التفسير إلى بناء الفرد أو تأثير المجتمع، كما أن تنمية القيم الخلقية تعتمد على فطرة الإنسان وما زود به من استعدادات، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الإسلام يلفت نظرنا إلى أن النفس الإنسانية هي مناط التربية الخلقية، ويلفت نظرنا أيضا إلى أن هذه النفس تتسم بسمات متعددة مثل: الهوى، والشهوة، والحاجات، والدوافع، والشعور بالمشقة، والصبر، والضجر، والخوف والشجاعة، والشح والكرم، والحسد، والكبر والتواضع، والضيق، والتأثر البالغ بالأقوال والأفعال، والشعور بالحسرة والندم، والشك، والإدراك والوعي واليقين والفجور والتقوى، والعلم والجهل، والقدرة على إخفاء المشاعر، والاستعداد لاتخاذ القرار، والاستعداد لإدراك الموقف في كلية وشمولية واستيعاب وإعادة النظر في كل منها، والاستعداد للاستنتاج والتحليل والتفسير، وما إلى ذلك، مما يؤكد ضرورة التربية الخلقية لأن هذه النفس مرنة وتكتسب عمل الخير ليصبح سجية لها وكذلك عمل الشر ليصبح سجية وطبعا لها.

ونظرا لأهمية عملية التدريب بالاختبار والتجربة بابتلاء النفس وتمحيص علاقاتها فإننا سنخص ذلك بدراسة مستقلة فيما يلي من صفحات.

<<  <  ج: ص:  >  >>