للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد اضطربت والمسالك قد اختلت بعد الهيبة المشهورة والآمنة المشكورة وانطلقت أيدي التركمان والحرامية في الافساد في الاطراف والعيث في سائر النواحي والأكناف. ونظمت في صفة هذه الحال أبيات من الشعر تنطق بذكرها وتغرب بالاختصار عن جلية أمرها منها من جملة قصيدة يطول شرحها بتشبيبها:

كذاك عماد الدين زنكي تنافرت ... سعادته عنه وخرّت دعائمه

وكم بيت مالٍ من نضارٍ وجوهرٍ ... وأنواع ديباجٍ حوتها مخاتمه

وأضحت بأعلى كل حصنٍ مصونة ... يحامي عليها جنده وخوادمه

ومن صافنات الخيل كل مطهّمٍ ... تروع الأعادي حلبه وتراجمه

ولو رامت الكتّاب وصف شياتها ... بأقلامها ما أدرك الوصف ناظمه

وكم معقل قد رامه بسيوفه ... وشامخ حصنٍ لم تفته غنائمه

ودانت ولاة الأرض فيها لأمره ... وقد أمّنتهم كتبه وخواتمه

وأمّن من في كل قطر جيبةٍ ... تراع بها أعرابه وأعاجمه

وظالم قومٍ حين يذكر عدله ... فقد زال عنهم ظلمه وخصائمه

وأصبح سلطان البلاد بسيفه ... وليس له فيها نظيرٌ يزاحمه

وكم قد بنى داراً تباهي بحسنها ... جنان خلودٍ أحكمتها عزائمه

فمن خرفه بالتبر من كل جانبٍ ... وأغصان بقشٍ قد تحلّت حمائمه

وزاد على الأملاك بأساً وسطوةً ... ولم يبق في الأملاك ملكٌ يقاومه

فلمّا تناهى ملكه وجلاله ... وراعت ولاة الأرض منه لوائمه

أتاه قضاءٌ لا يردّ سهامه ... فلم ينجه أمواله ومغانمه

واذكره للحين منها حمامه ... وحامت عليه بالمنون حوائمه

وأضحى على ظهر الفراش مجدلاً ... صريعاً توّلى ذبحه فيه خادمه