للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١- ظواهر عروضية:

إذا نظرنا بعد ذلك في مجموعة شعر الصعاليك لنتبين خصائصها العروضية فإننا نلاحظ أن الأوزان التي صاغ فيها الشعراء الصعاليك شعرهم هي الأوزان نفسها التي عرفها سائر الشعراء الجاهليين: الطويل، والبسيط، والوافر، والكامل، والمتقارب، وأمثال هذه البحور التي ترددت فيها أنغام الشعر لجاهلي.

كما نلاحظ في شعرهم الذي جاء من بحر الطويل ذلك الزحاف الشائع في الشعر الجاهلي في هذا البحر، وهو حذف ياء "مفاعيلن" ونون "فعولن" وتحول التفعيلة إلى "مفاعلن" و"فعول" وهو ما يسميه العروضيون "القبض"، وذلك قول تأبط شرا:

تقول تركت صاحبا لك ضائعا ... وجئت إلينا فارقا متباطنا

إذا ما تركت صاحبي لثلاثة ... أو اثنين مثلينا فلا أبت آمنا١

ومثل قول الشنفرى:

فواكبدا على أميمة بعدما ... طمعت فهبها نعمة العيش زلت٢

ومثل قول الأعلم:

أحبشي إنا قد يمتعنا الغنى ... بأموالنا نريحها ونسيمها

ونحبسها على العظائم نتقي ... بها دعوة الداعين، إنا نقيمها

إذا النفساء لم تخرس ببكرها ... غلاما ولم يسكت بحتر فطيمها٣

ومثل قول أبي خراش:

كأن النضي بعدما طاش مارقا ... وراء يديه بالخلاء طميل٤

والأمثلة على هذه الظاهرة العروضية أكثر من أن تعد، فهي متنشرة في شعرهم انتشارا واسعا، ويكفي أن ننظر مثلا في تائية الشنفرى المفضلية لنتبين مدى هذا الانتشار، فيما عدا أبياتا قليلة منها تنتشر هذه الظاهرة في كل بيت من أبياتها.

كما نلاحظ أيضا انتشار تلك العلة الجارية مجرى الزحاف التي تنتشر أيضا في سائر الشعر الجاهلي. وهي إسقاط أول الوتد المجموع من "فعولن"


١ الأغاني ١٨/ ٢١٣.
٢ المفضليات/ ٢٠٠.
٣ شرح أشعار الهذليين ١/ ٦٧. وانظر ص٢٤٠ من هذا البحث.
٤ ديوان الهذليين ٢/ ١٢١ - النضي: السهم بلا نصل ولا ريش. والطميل: السهم لطخه الدم.

<<  <   >  >>