للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- التضاد الجغرافي وأثره في نشأة حركة الصعاليك:

هذه هي الصورة العامة "للمسرح الجغرافي" الذي دارت عليه قصة صعاليك العرب، كما نراها من الزوايا التي تفسر لنا مشاهدها، وهي صورة خلاصة ما يقال فيها إنها تجمع لونا من "التضاد الجغرافي" يلفت النظر، ويجدر بنا أن نقف عنده لأن فيه مفتاحا من مفاتيح هذه القصة، ولأنه يكشف لنا جانبا من الستار عنها.

والخطوط الأساسية لهذه الصورة هي أنها منطقة صحراوية جبلية، عرفت الأغوار المنخفضة ذات الحرارة الشديدة، والجبال العالية ذات القمم الثلجية، وعرفت بينهما مناطق رملية مترامية الأطراف كثيرة المجاهل والمخاوف. ثم هي منطقة عرفت الجدب الذي تتعذر معه الحياة، حتى يضطر أهلها إلى الهجرة، والخصب الذي يغري الناس على الاستقرار وإقامة القرى، وعرفت المطر يحتبس حتى تصبح البادية غير صالحة للسكن، والسيول تتدفق حتى تجرف أمامها كل شيء، وعرفت البرد الذي يعقد ذنب الكلب، والحر الذي يذيب دماغ الضب، ويطبخ الإبل ويشويها.

وكان لهذا "التضاد الجغرافي" أثره في نفوس سكان الجزيرة العربية، فقد أوجد في شخصياتهم لونا من "التضاد النفسي" اصطبغت عناصره بما في البيئة الجغرافية من لوني المبالغة وعدم الاستقرار. وظهر هذان اللونان الصارخان في نفوس البدو في كلا الجانبين الأخلاقيين: جانب الخير وجانب الشر، فالبدوي لا يعرف القصد لا في الخير ولا في الشر، مبالغ في عداوته، مبالغ في محبته، لا يتورع من الغدر، ولكنه إذا عاهد على الوفاء بذل حياته في سبيل عهده، يغزو وينهب حتى يكاد يفقد حياته، ثم يوزع ما يغنمه على سواه.

والبدوي -إلى جانب هذا- يأنف من حياة الاستقرار، ويرى الدارسون أن "كل جانب من جوانب الحياة البشرية في الصحاري يحمل طابع الحركة"١، وأن "القاعدة التي تقوم عليها حياة البدو قاعدة متقلقلة"٢. ومن هنا احتقر البدو الزراعة٣، ويذكر ابن خلدون أنها "من معاش المتضعين وأهل العافية من البدو"٤، واحتقروا الصناعة٥، وعند ابن خلدون أن "العرب أبعد


١ semple; influences of grographic environment, pP. ٤٨٦, ٤٨٨.
٢ ibid,. P. ٤٩٠
٣ ency. of islam; art. arabia, P. ٣٧٥; & semlpe; influences of geographic environment, P. ٥٠٠.
٤ انظر الفصل الثامن من الباب الخامس من الكتاب الأول من المقدمة/ ٣٩٤.
٥ the ency. of islam; art. arabia, P. ٣٧٥.

<<  <   >  >>