للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السؤال. ورد بأن عدم قبول دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ذنب وأي ذنب فسؤالهم عنه ينافيه وفيه نظر.

وتخصيص سؤال المرسلين عليهم السلام بما ذكرنا هو الذي يشهد به الأخبار وتدل عليه الآثار، وفي القرآن ما يؤيد ذلك فقد قال سبحانه: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ [المائدة: ١٠٩] وتخصيص سؤال الذين أرسل إليهم بما تقدم هو الذي جرى عليه جماعة من المفسرين.

وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري أنه يقال للذين أرسل إليهم: هل بلغكم الرسل؟ ويقال. للمرسلين: ماذا ردوا عليكم. وأخرج أيضا عن القاسم أبي عبد الرحمن أنه تلا هذه الآية فقال: يسئل العبد يوم القيامة عن أربع خصال يقول ربك ألم أجعل لك جسدا ففيم أبليته؟ ألم أجعل لك علما ففيم عملت بما عملت؟ ألم أجعل لك مالا ففيم أنفقته في طاعتي أم في معصيتي؟ ألم أجعل لك عمرا ففيم أفنيته؟. وأخرج هو وغيره عن طاوس أنه قرأ ذلك فقال الإمام: يسئل عن الناس والرجل يسئل عن أهله والمرأة تسئل عن بيت زوجها والعبد يسئل عن مال سيده، ولعل الظاهر أن سؤال كل من المرسل إليهم والمرسلين هنا عن أمر يتعلق بصاحبه، ولا يأبى هذا أن المكلفين يسألون عن أمور أخر والمواقف يوم القيامة شتى ويسأل السيد ذو الجلال عبادة فيها عن مقاصد عديدة فطوبى لمن أخذ بعضده السعد فأجاب بما ينجيه.

فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ قيل أي على الرسل حين يكلون الأمر إلى علمه تعالى ويقولون لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة: ١٠٩] أو عليهم وعلى المرسل إليهم جميعا جميع أحوالهم. وعن ابن عباس أنه ينطق عليهم كتاب أعمالهم بِعِلْمٍ أي عالمين بظواهرهم وبواطنهم أو بمعلومنا منهم، والباء على الأول للملابسة والجار والمجرور حال من فاعل «نقص» ، وعلى الثاني الباء متعلق بنقص وَما كُنَّا غائِبِينَ عنهم في حال من الأحوال، والمراد الإحاطة التامة بأحوالهم وأفعالهم بحيث لا يشذ منها شيء عن علمه سبحانه، والجملة إما حال أو استئناف لتأكيد ما قبله. وَالْوَزْنُ أي وزن الأعمال والتمييز بين الراجح والتمييز بين الراجح منها والخفيف والجيد والرديء. وهو مبتدأ وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ متعلق بمحذوف خبره، وقوله تعالى الْحَقُّ صفته أي والوزن الحق ثابت يوم إذ يكون السؤال والقص. واختار هذا بعض من المعربين، وقيل: الظاهر أن الْحَقُّ خبر ويَوْمَئِذٍ ظرف للوزن لئلا يقع الفصل بين الصفة والموصوف.

ولعل وجه عدم اختيار هذا أن فيه أعمال المصدر المعرف وهو قليل. وفي الكشف ليس المعنى على أن الوزن هو الحق بل أن الوزن الحق يكون يومئذ ألا يرى إلى قوله سبحانه: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ [الأنبياء:

٤٧] . وذكر الأصفهاني في شرح اللمع لابن جني أن الْحَقُّ بدل من الضمير المستتر في الظرف، وهو وجه حسن إلا أن الأول رجح جانب المعنى ولم يبال بالفصل بالخبر لاتحاده من وجه بالمبتدأ لا سيما والظرف يتوسع فيه.

وجوز أبو البقاء أن يكون الْحَقُّ خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل: ما ذلك الوزن؟ فقيل: هو الحق أي العدل السوي. وأن يكون الْوَزْنُ خبر مبتدأ محذوف أيضا أي هذا الوزن. وهو كما ترى. وقرىء الْقِسْطَ والوزن- كما قال الراغب- معرفة قدر الشيء يقال: وزنته وزنا وزنة، والمتعارف فيه عند العامة ما يقدر بالقسطاس والقبان.

واختلف في كيفيته يوم القيامة. والجمهور- كما قال القاضي- على أن صحائف الأعمال هي التي توزن بميزان له لسان وكفتان لينظر إليه الخلائق إظهارا للمعدلة وقطعا للمعذرة كما يسألون من أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم. ولا تعرض لهم لماهية هاتيك الصحائف والله تعالى أعلم بحقيقتها.

ويؤيد ذلك ما

أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، والحاكم وصححه، والبيهقي، وغيرهم عن عبد الله بن

<<  <  ج: ص:  >  >>