للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد- بإخوته- هاهنا على ما قيل: الإخوة الذين يخشى غوائلهم ومكائدهم من بني علاته الأحد عشر، وهم يهوذا وروبيل وشمعون ولاوي وريالون ويشجر ودينه بنو يعقوب (١) من ليا بنت ليان بن ناهر وهي بنت خالته، ودان ويفتالى وجاد وآشر بنوه عليه السلام من سريتين له زلفة وبلهة (٢) وهم المشار إليهم بالكواكب، وأما بنيامين الذي هو شقيق يوسف عليه السلام وأمهما راحيل التي تزوجها يعقوب عليه السلام بعد وفات أختها ليا أو في حياتها (٣) إذ لم يكن جمع الأختين إذ ذاك محرما فليس بداخل تحت هذا النهي إذ لا تتوهم مضرته ولا تخشى معرته ولم يكن معهم في الرؤيا إذ لم يكن معهم في السجود.

وتعقب بأن المشهور أن بني علاته عليه السلام عشرة وليس فيهم من اسمه دينه، ومن الناس من ذكر ذلك في عداد أولاد يعقوب إلا أنه قال: هي أخت يوسف، وبناء الكلام عليه ظاهر الفساد بل لا تكاد تدخل في الإخوة إلا باعتبار التغليب لأنه جمع أخ فهو مخصوص بالذكور، فلعل المختار أن المراد من الإخوة ما يشمل الأعيان والعلات، ويعد بنيامين بدل دينه إتماما لأحد عشر عدة الكواكب المرئية، والنهي عن الاقتصاص عليه- وإن لم يكن ممن تخشى غوائله- من باب الاحتياط وسد باب الاحتمال، ومما ذاع كل سر جاوز الاثنين شاع، ويلتزم القول بوقوع السجود منه كسائر أهله وإسناد الكيد الى الإخوة باعتبار الغالب فلا إشكال كذا قيل، وهو على علاته أولى مما قيل: إن المراد بإخوته ما لا يدخل تحته بنيامين ودينه لأنهما لا تخشى معرتهما ولا يتوهم مضرتهما فهم حينئذ تسعة وتكمل العدة بأبيه وأمه أو خالته ويكون عطف الشمس والقمر من قبيل عطف جبريل وميكائيل على الملائكة، وفيه من تعظيم أمرهما ما فيه لما أن في ذلك ما فيه، ونصب فَيَكِيدُوا بأن مضمرة في جواب النهي وعدي باللام مع أنه مما يتعدى بنفسه كما في قوله تعالى: فيكيدوني لتضمينه ما يتعدى بها وهو الاحتيال كما أشرنا اليه، وذلك لتأكيد المعنى بإفادة معنى الفعلين المتضمن والمضمن جميعا ولكون القصد الى التأكيد والمقام مقامه أكد الفعل بالمصدر وقرر بالتعليل بعد، وجعل اللام زائدة كجعله مما يتعدى بنفسه وبالحرف خلاف الظاهر، وقيل: إن الجار والمجرور من متعلقات التأكيد على معنى فيكيدوا كيدا لك وليس بشيء وجعل بعضهم اللام للتعليل على معنى فيفعلوا لأجلك وإهلاكك كيدا راسخا أو خفيا وزعم أن هذا الأسلوب آكد من أن يقال فيكيدوك كيدا إذ ليس فيه دلالة على كون نفس الفعل مقصود الإيقاع وفيه نوع مخالفة للظاهر أيضا فافهم.

وقرأ الجمهور رُؤْياكَ بالهمز من غير إمالة، والكسائي «رؤياك» بالإمالة وبغير همز وهي لغة أهل الحجاز إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ أي لهذا النوع عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة فلا يألو جهدا في تسويل إخوتك وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على ما لا خير فيه وإن كانوا ناشئين في بيت النبوة، والظاهر أن القوم كانوا بحيث يمكن أن يكون للشيطان عليهم سبيل، ويؤيد هذا أنهم لم يكونوا أنبياء، والمسألة خلافية فالذي عليه الأكثرون سلفا وخلفا أنهم لم يكونوا أنبياء أصلا، أما السلف فلم ينقل عن الصحابة منهم أنه قال بنبوتهم ولا يحفظ عن أحد من التابعين أيضا، وأما أتباع التابعين فنقل عن ابن زيد أنه قال بنبوتهم وتابعه شرذمة قليلة، وأما الخلف فالمفسرون فرق: فمنهم من قال بقول ابن زيد كالبغوي، ومنهم من بالغ في رده كالقرطبي وابن كثير، ومنهم من حكى القولين بلا ترجيح كابن الجوزي،


(١) سألت بعض اليهود عن ضبطها فقال: لياء بهمزة بعد الياء والله تعالى أعلم اهـ منه.
(٢) وادعى بعضهم أن السريتين كانتا أختين أيضا، وقد جمع بينهما ولم يحل ذلك لأحد بعده اهـ منه.
(٣) وإلى هذا ذهب اليهود اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>