للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذبول جسم ويصل ذلك إلى الهلاك، وأما النوع الثالث وهو تأثير الجسماني في الجسماني فكتأثير الأدوية والسموم في الأبدان ويدخل فيه أنواع النيرنجات والطلسمات فإنها بتأثير بعض المركبات الطبيعية في بعض بسبب خواص فيها كجذب المغناطيس للحديث واختطاف الكهرباء التبن وقد يستعان في ذلك بتحصين المناسبات بالاجرام العلوية المؤثرة في عالم الكون والفساد كما يشاهد في صور أشكال موضوعة في أوقات مخصوصة على أوضاع معلومة في مقابلة بعض الجهات ومسامتة بعض الكواكب يستدفع بها كثير من أذية الحيوانات. وأما النوع الرابع وهو تأثير الجسماني في النفساني فكتأثير الصور المستحسنة أو المستقبحة في النفوس الإنسانية من استمالتها إليها وتنفيرها عنها وعد من ذلك تأثير أصناف الأغاني والرقص والملاهي في بعض النفوس وتأثير البيان فيمن له ذوق كما يشير إليه

قوله عليه الصلاة والسلام: «إن من البيان لسحرا»

إذا تمهد هذا فاعلم أنهم اختلفوا في إصابة العين فأبو علي الجبائي أنكرها إنكارا بليغا ولم يذكر لذلك شبهة فضلا عن حجة وأثبتها غيره من أهل السنة والمعتزلة وغيرهم إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك فقال الجاحظ: إنه يمتد من العين أجزاء فتصل بالشخص المستحسن فتؤثر فيه تأثير السم في الأبدان فالتأثير عنده من تأثير الجسماني في الجسماني.

وضعف ذلك القاضي بأنه لو كان الأمر كما قال لوجب أن تؤثر العين في الشخص الذي لا يستحسن كتأثيرها فيما يستحسن. وتعقبه الإمام بأنه تضعيف ضعيف، وذلك لأنه استحسن العائن شيئا فإما أن يحب بقاءه كما إذا استحسن ولده مثلا وإما أن يكره ذلك كما إذا أحس بذلك المستحسن عند عدوه الحاسد هو له، فإن كان الأول فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان خوف شديد من زواله وهو يوجب انحصار الروح في داخل القلب، فحينئذ يسخن القلب والروح جدا ويحصل في الروح الباصر كيفية قوية مسخنة، وإن كان الثاني فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان هم شديد وحزن عظيم بسبب حصول ذلك المستحسن لعدوه، وذلك أيضا يوجب انحصار الروح وحصول الكيفية القوية المسخنة، وفي الصورتين يسخن شعاع العين فيؤثر ولا كذلك في عدم الاستحسان فبان الفرق، ولذلك السبب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العائن بالوضوء ومن أصيب بالاغتسال اهـ. وما أشار إليه من أن العائن قد يصيب ولده مثلا مما شهدت له التجربة، لكن

أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم»

وظاهره يقتضي خلاف ذلك، وأما ما ذكره من الأمر بالوضوء والاغتسال فقد جاء في بعض الروايات، وكيفية ذلك أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره أي ما يلي جسده من الإزار، وقيل وركيه: وقيل: مذاكيره ويصب الغسالة على رأس المعين وقد مر

«إذا استغسلتم فاغسلوا»

وهو خطاب للعائنين أي إذا طلب منكم ما اعتيد من الغسل فافعلوا والأمر للندب عند بعض، وقال الماوردي تبعا لجماعة: للوجوب فيجب على العائن أن يغسل ثم يعطي الغسالة للمعين لأنه الذي يقتضيه ظاهر الأمر ولأنه قد جرب ذلك وعلم البرء به ففيه تخليص من الهلاك كإطعام المضطر، وذكر أن ذلك أمر تعبدي وهو مخالف لما أشار إليه الإمام من كون الحكمة فيه تبريد تلك السخونة، وهو مأخوذ من كلام ابن القيم حيث قال في تعليل ذلك: لأنه كما يؤخذ درياق لسم الحية من لحمها يؤخذ علاج هذا الأمر من أثر الشخص العائن، وأثر تلك العين كشعلة نار أصابت الجسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة، وهو (١) على علاته أوفى من كلام الإمام. ويرد على ما قرره في الانتصار للجاحظ أنه لا يسد عنه باب الاعتراض على ما ذكره في كيفية إصابة العين، إذ يرد عليه ما ثبت من


(١) فيه إشارة إلى أن فيه ما فيه أيضا فقد ذكر ابن القيم نفسه أن ذلك لا ينتفع به من أنكره ولا يخفى أنه لو كان الأمر كما ذكر لم يكن فرق بين المنكر والمعتقد في الانتفاع فتأمل اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>