للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصدهم بالنهب والأسر ثم لما تابوا وأطاعوا حسنت حالهم فظهر أن إحسان الأعمال وإساءتها مختص بهم، والآية تضمنت ذلك وفيها من الترغيب بالإحسان والترهيب من الإساءة ما لا يخفى فتأمل.

فَإِذا جاءَ وَعْدُ المرة الْآخِرَةِ من مرّتي افسادكم لِيَسُوؤُا متعلق بفعل حذف لدلالة ما سبق عليه وهو جواب إذا أي بعثناهم ليسوءوا وُجُوهَكُمْ أي ليجعل العباد المبعوثون آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم فإن الأعراض النفسانية تظهر فيها فيظهر بالفرح النضارة والإشراق وبالحزن والخوف الكلوح والسواد فالوجوه على حقيقتها، قيل ويحتمل أن يعبر بالوجه عن الجملة فإنهم ساؤوهم بالقتل والنهب والسبي فحصلت الإساءة للذوات كلها ويؤيده قوله تعالى: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها ويحتمل أن يراد بالوجوه ساداتهم وكبراؤهم أهو هو كما ترى.

واختير هذا على ليسوؤكم مع أنه أحضر وأظهر إشارة إلى أنه جمع عليه ألم النفس والبدن المدلول عليه بقوله تعالى: وَلِيُتَبِّرُوا إلخ، وقيل: فَإِذا جاءَ هنا مع كونه من تفصيل المجمل في قوله سبحانه: لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ فالظاهر فإذا جاء وإذا جاء للدلالة على أن مجيء وعد عقاب المرة الآخرة لم يتراخ عن كثرتهم واجتماعهم دلالة على شدة شكيمتهم في كفران النعم وإنهم كلما ازدادوا عدة وعدة زادوا عدوانا وعزة إلى أن تكاملت أسباب الثروة والكثرة فاجأهم الله عز وجل على الغرة نعوذ بالله سبحانه من مباغتة عذابه.

وقرأ أبو بكر وابن عامر وحمزة «ليسؤ» على التوحيد والضمير لله تعالى أو للوعد أو للبعث المدلول عليه بالجزاء المحذوف، والإسناد مجازي على الأخيرين وحقيقي على الأول، ويؤيده قراءة علي كرم الله تعالى وجهه. وزيد بن علي والكسائي «لنسوء» بنون العظمة فإن الضمير لله تعالى لا يحتمل غير ذلك، وقرأ أبي «لنسؤن» بلام الأمر ونون العظمة أوله ونون التوكيد الخفيفة آخره ودخلت لام الأمر على فعل المتكلم كما في قوله تعالى: وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ [العنكبوت: ١٢] وجواب إذا على هذه القراءة هو الجملة الإنشائية على تقدير الفاء لأنها لا تقع جوابا بدونها،

وعن علي كرم الله تعالى وجهه أيضا «لنسوءن» و «ليسوءن» بالنون والياء أولا ونون التوكيد الشديدة آخرا

، واللام في ذلك لام القسم والجملة جواب القسم سادة مسد جواب إذا واللام في قوله تعالى وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ لام كي والجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله وهو متعلق ببعثنا المحذوف أيضا وجوز أن يتعلق بمحذوف غيره فيكون العطف من عطف جملة على أخرى، وعلى القراءة بلام الأمر أو لام القسم فيما تقدم يجوز أن تكون اللام لام الأمر وأن تكون لام كي، والمراد بالمسجد بيت المقدس وهو مفعول يدخلوا، وفي الصحاح أن الصحيح في نحو دخلت البيت إنك تريد دخلت إلى البيت فحذف حرف الجر فانتصب البيت انتصاب المفعول به، وتحقيقه في محله كَما دَخَلُوهُ أي دخولا كائنا كدخولهم إياه أَوَّلَ مَرَّةٍ فهو في موضع النعت لمصدر محذوف، وجوز أن يكون حالا أي كائنين كما دخلوه، وأَوَّلَ منصوب على الظرفية الزمانية، والمراد من التشبيه على ما في البحر أنهم يدخلونه بالسيف والقهر والغلبة والإذلال، وفيه أيضا أن هذا يبعد قول من ذهب إلى أن أولى المرتين لم يكن فيها قتال ولا قتل ولا نهب وَلِيُتَبِّرُوا أي يهلكوا، وقال قطرب: يهدموا وأنشد قول الشاعر:

وما الناس إلا عاملان فعامل ... يتبر ما يبني وآخر رافع

وقال بعضهم: الهدم إهلاك أيضا، وأخرج ابن المنذر وغيره عن سعيد بن جبير أن التتبير كلمة نبطية.

ما عَلَوْا أي الذي غلبوه واستولوا عليه فما اسم موصول والعائد محذوف وهو إما مفعول أو مجرور على ما قيل، وجوز أن تكون ما مصدرية ظرفية أي ليتبروا مدة دوامهم غالبين قاهرين تَتْبِيراً فظيعا لا يوصف.

واختلف في تعيين هؤلاء العباد المبعوثين بعد أن ذكروا قتل يحيى عليه السلام في الإفساد الأخير فقال غير

<<  <  ج: ص:  >  >>