للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشد، وتعقب بأنه لا معنى لجعل «النزع» لمن يسأل عنه بهذا الاستفهام، وأجيب بأن ذلك مجاز عن تقارب أحوالهم وتشابهها في العتو حتى يستحق أن يسأل عنها أو المراد الذين يجاب بهم عن هذا السؤال، وحاصله لننزعن الأشد عتيا وهو مع تكلفه فيه حذف الموصول مع بعض الصلة وهو تكلف على تكلف ومثله لا ينقاس، نعم مثله في الحذف على ما قيل قول الشاعر:

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل ... فأبيت لا حرج ولا محروم

وذهب الكسائي والفراء إلى ما قاله الخليل إلا أنهما جعلا الجملة في محل نصب بنزعن، والمراد لننزعن من يقع في جواب هذا السؤال، والفعل معلق بالاستفهام وساغ تعليقه عندهما لأن المعنى لننادين وهما يريان تعليق النداء وإن لم يكن من أفعال القلوب وإلى ذلك ذهب المهدوي، وقيل: لما كان النزع متضمنا معنى الإفراز والتمييز وهو مما يلزمه العلم عومل معاملة العلم فساغ تعليقه. ويونس لا يرى التعليق مختصا بصنف من الأفعال بل سائر أصنافها سواء في صحة التعليق عنده، وقيل: الجملة الاستفهامية استئنافية والفعل واقع على كُلِّ شِيعَةٍ على زيادة من في الإثبات كما يراه الأخفش أو على معنى لننزعن بعض كل شيعة بجعل مِنْ مفعولا لتأويلها باسم، ثم إذا كان الاستئناف بيانيا واقعا في جواب من المنزوعون؟ احتيج إلى التأويل كأن يقال: المراد الذين يقعون في جواب أيهم أشد أو نحو ذلك، وإذا كانت أي على تقدير الاستئناف ووقوع الفعل على ما ذكر موصولة لم يحتج إلى التأويل إلا أن في القول بالاستئناف عدولا عن الظاهر من كون الكلام جملة واحدة إلى خلاف الظاهر من كونه جملتين.

ونقل بعضهم عن المبرد أن أَيُّهُمْ فاعل شِيعَةٍ لأن معناه يشيع، والتقدير لننزعن من كل فريق يشيع أيهم هو أشد، وأي على هذا على ما قال أبو البقاء. ونقل عن الرضي بمعنى الذي، وفي البحر قال المبرد: أيهم متعلق بشيعة فلذلك ارتفع، والمعنى أن الذين تشايعوا أيهم أشد كأنهم يتبادرون إلى هذا، ويلزمه أن يقدر مفعولا لننزعن محذوفا، وقدر أيضا في هذا المذهب من الذين تشايعوا أيهم أشد على معنى من الذين تعاونوا فنظروا أيهم أشد، قال النحاس:

وهذا قول حسن انتهى، وهو خلاف ما نقل أولا، ولعمري إن ما نسب إلى المبرد أولا وأخيرا أبرد من يخ، وقيل: إن الجملة استفهامية وقعت صفة لشيعة على معنى لننزعن من كل شيعة مقول فيهم أيهم أشد أي من كل شيعة متقاربي الأحوال، ومن مزيدة والنزع الرمي، وحكى أبو بكر بن شقير أن بعض الكوفيين يقول: في أيهم معنى الشرط تقول:

ضربت القوم أيهم غضب، والمعنى إن غضبوا أو لم يغضبوا قال أبو حيان: فعلى هذا يكون التقدير هنا إن اشتد عتوهم أو لم يشتد انتهى وهو كما ترى، والوجه الذي ينساق إليه الذهن ويساعده اللفظ والمعنى هو ما ذهب إليه سيبويه ومدار ما ذهب إليه في أي من الإعراب والبناء هو المساع في الحقيقة، وتعليلات النحويين على ما فيها إنما هي بعد الوقوع، وعدم سماع لا يقدح في سماعه فتدبر.

وَإِنْ مِنْكُمْ التفات إلى خطاب الإنسان سواء أريد منه العموم أو خصوص الكفرة لإظهار مزيد الاعتناء بمضمون الكلام. وقيل: هو خطاب للناس وابتداء كلام منه عز وجل بعد ما أتم الغرض من الأول فلا التفات أصلا. ولعله الأسبق إلى الذهن لكن قيل يؤيد الأول قراءة ابن عباس وعكرمة وجماعة وَإِنَّ مِنْهُمْ أي وما منكم أحد إِلَّا وارِدُها أي داخلها كما ذهب إلى ذلك جمع كثير من سلف المفسرين وأهل السنة، وعلى ذلك قوله تعالى إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ [الأنبياء: ٩٨] . وقوله تعالى: في فرعون يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود: ٩٨] .

<<  <  ج: ص:  >  >>