للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضوان بن عبد المعبود «نكسوا» بتخفيف الكاف مبنيا للفاعل أي نكسوا أنفسهم وقيل: رجعوا على رؤسائهم بناء على ما يقتضيه تفسير مجاهد.

قالَ عليه السلام مبكتا لهم أَفَتَعْبُدُونَ أي أتعلمون ذلك فتعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ أي مجاوزين عبادته تعالى ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً من النفع، وقيل: بشيء وَلا يَضُرُّكُمْ فإن العلم بحاله المنافية للألوهية مما يوجب الاجتناب عن عبادته قطعا أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تضجر منه عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق، وأصل أف صوت المتضجر من استقذار شيء على ما قال الراغب ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر وفيه لغات كثيرة، واللام لبيان المتأفف له، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لمزيد استقباح ما فعلوا أَفَلا تَعْقِلُونَ أي لا تتفكرون فلا تعقلون قبح صنيعكم قالُوا أي قال بعضهم لبعض لما عجزوا عن المحاجة وضاقت بهم الحيل وهذا ديدن المبطل المحجوج إذا بهت بالحجة وكانت له قدرة يفزع إلى المناصبة حَرِّقُوهُ فإن النار أشد العقوبات ولذا جاء لا يعذب بالنار إلا خالقها وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ بالانتقام لها إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا فاختاروا له ذلك وإلا فرطتم في نصرتها وكأنكم لم تفعلوا شيئا ما فيها، ويشعر بذلك العدول عن أن تنصروا آلهتكم فحرقوه إلى ما في النظم الكريم، وأشار بذلك على المشهور ورضي به الجميع نمروذ بن كنعان بن سنحاريب بن نمروذ بن كوس بن حام بن نوح عليه السلام.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: تلوت هذه الآية على عبد الله بن عمر فقال: أتدري يا مجاهد من الذي أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام بالنار؟ قلت: لا. قال: رجل من أعراب فارس يعني الأكراد (١) ونص على أنه من الأكراد ابن عطية، وذكر أن الله تعالى خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، واسمه على ما أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن شعيب الجباري هيون، وقيل: هدير. وفي البحر أنهم ذكروا له اسما مختلفا فيه لا يوقف منه على حقيقة، روي أنهم حين هموا بإحراقه حبسوه ثم بنوا بيتا كالحظيرة بكوثى قرية من قرى الأنباط في حدود بابل من العراق وذلك قوله تعالى: قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ [الصافات: ٩٧] فجمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب مدة أربعين يوما فأوقدوا نارا عظيمة لا يكاد يمر عليها طائر في أقصى الجو لشدة وهجها فلم يعلموا كيف يلقونه عليه السلام فيها فأتى إبليس وعلمهم عمل المنجنيق فعملوه، وقيل: صنعه الكردي الذي أشار بالتحريق ثم خسف به ثم عمدوا إلى ابراهيم عليه السلام فوضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت ملائكة السماء والأرض إلهنا ما في أرضك أحد يعبدك غير إبراهيم عليه السلام وأنه يحرق فيك فأذن لنا في نصرته فقال جل وعلا: إن استغاث بأحد منكم فلينصره وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه فخلوا بيني وبينه فإنه خليلي ليس لي خليل غيره وأنا إلهه ليس له إله غيري فأتاه خازن الرياح وخازن المياه يستأذنانه في إعدام النار

فقال عليه السلام لا حاجة لي إليكم حسبي الله ونعم الوكيل

،

وروي عن أبيّ بن كعب قال: حين أوثقوه ليلقوه في النار قال عليه السلام: لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ثم رموا به فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا ابراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا.

قال: جبريل عليه السلام: فاسأل ربك فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي

،

ويروى أن الوزغ كان ينفخ في النار، وقد جاء ذلك في رواية البخاري.


(١) هذا ظاهر في أن الأكراد من الفرس وقد ذهب كثير إلى أنهم من العرب وذكر أن منهم أبا ميمون جابان من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وتحقيق الكلام فيهم في محله اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>