للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الثانية متعلقة ببعث.

وعن ابن مسعود أنه قرأ «من أهبنا» بمن الاستفهامية وأهب بالهمز من هب من نومه إذا انتبه وأهببته أنا أي أنبهته.

وعن أبي أنه قرأ «هبنا» بلا همز قال ابن جني: وقراءة ابن مسعود أقيس فهبني بمعنى أيقظني لم أر لها أصلا ولا مر بنا في اللغة مهبوب بمعنى موقظ اللهم إلا أن يكون حرف الجر محذوفا أي هب بنا أي أيقظنا ثم حذف وأوصل الفعل، وليس المعنى على من هب فهببنا معه وإنما معناه من أيقظنا. وقال البيضاوي: هبنا بدون الهمز بمعنى أهبنا بالهمز، وقرىء «من هبنا» بمن الجارة والمصدر من هب يهب هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ جملة من مبتدأ وخبر وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ عطف على ما في حيز ما، وعطفه على الجملة الاسمية أو جعله حالا بتقدير قد بدونه خلاف الظاهر، وما موصولة محذوفة العائد أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون أي صدق فيه من قولهم صدقت زيدا الحديث أي صدقته فيه ومنه قولهم صدقني سن بكره أو مصدرية أي هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق، وهو على ما قيل جواب من جهته عز وجل وعلى ما قال الفراء من قبل الملائكة وعلى ما قال قتادة ومجاهد من قبل المؤمنين وكان الظاهر أن يجابوا بالفاعل لأنه الذي سألوا عنه بأن يقال الرحمن أو الله بعثكم لكن عدل عنه إلى ما ذكر تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه مع تضمنه الاشارة إلى الفاعل، وذكر غير واحد أنه من الأسلوب الحكيم على أن المعنى لا تسألوا عن الباعث فإن هذا البعث ليس كبعث النائم وإن ذلك ليس مما يهمكم الآن وإنما الذي يهمكم أن تسألوا ما هذا البعث ذو الأهوال والافزاع، وفيه من تقريعهم ما فيه.

وزعم الطيبي أن ذكر الفاعل ليس بكاف في الجواب لأن قولهم مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا حكاية عن قولهم ذلك عند البعث بعد ما سبق من قولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فلا بد في الجواب من قول مضمن معنيين فكان مقتضى الظاهر أن يقال بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأنبأكم به الرسل لكن عدل إلى ما يشعر بتكذيبهم ليكون أهول وفي التقريع أدخل، وهو وارد على الأسلوب الحكيم وفي دعوى عدم كفاية ذكر الفاعل في الجواب نظر، وفي إيثارهم اسم الرحمن قيل اشارة إلى زيادة التقريع من حيث إن الوعد بالبعث من آثار الرحمة وهم لم يلقوا له بالا ولم يلتفتوا إليه وكذبوا به ولم يستعدوا لما يقتضيه، وقيل آثره المجيبون من المؤمنين لما أن الرحمة قد غمرتهم فهي نصب أعينهم، واختصاص رحمة الرحمن بما يكون في الدنيا ورحمة الرحيم بما يكون في الأخرى ممنوع فقد ورد با رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.

وقال ابن زيد: هذا الجواب من قبل الكفار على أنهم أجابوا أنفسهم حيث تذكروا ما سمعوه من المرسلين عليهم السلام أو أجاب بعضهم بعضا، وآثروا اسم الرحمن طمعا في أن يرحمهم وهيهات ليس لكافر نصيب يومئذ من رحمته عز وجل، وجوز الزجاج كون هذا صفة لمرقدنا لتأويله بمشتق فيصح الوقف عليه، وقد روي عن حفص أنه وقف عليه وسكت سكتة خفيفة فحكاية إجماع القراء على الوقف على مَرْقَدِنا غير تامة، وما مبتدأ محذوف الخبر أي حق أو مبتدأ خبره محذوف أي هو أو هذا ما وعد، وفيه من البديع صنعة التجاذب وهو أن تكون كلمة محتملة أن تكون من الساق وأن تكون من اللاحق، ومثله كما قال الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره (١) المسمى بإيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ومن خطه الشريف نقلت الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ [البقرة: ١٤٦، الأنعام: ٢٠] الآية بعد قوله تعالى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة: ١٤٥]


(١) وهو على اسلوب تفاسير المفسرين دون أهل التأويل اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>