للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [ص: ٢٧] ولا يمكن أن يكون المراد أنه تعالى خلقها على وجه يمكن الاستدلال بها على وجود الصانع الحكيم لأن كونها دالة على الافتقار إلى الصانع أمر ثابت لها لذاتها لأن كل متحيز محدث وكل محدث مفتقر إلى الفاعل فثبت أن دلالة المتحيزات على وجود الفاعل أمر ثابت لها لذواتها وأعيانها وما كان كذلك لم يكن سبب الفعل والجعل فلم يمكن حمل الآية على هذا الوجه فوجب حملها على الوجه الذي ذكر.

النوع السابع روي أن عمر بن الخيام كان يقرأ كتاب المجسطي على أستاذه فدخل عليهم واحد من المتفقهة فقال: ما تقومون؟ فقال عمر: نحن في تفسير آية من كتاب الله تعالى أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ [ق: ٦] فنحن ننظر كيف خلق السماء وكيف بناها وكيف صانها عن الفروج.

الثامن أن إبراهيم عليه السلام لما استدل على إثبات الصانع بقوله تعالى رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:

٢٥٨] قال له نمرود أتدعي أنه يحيي ويميت بواسطة الطبائع والعناصر أو لا بواسطتها فإن ادعيت الأول فذلك مما لا تجده البتة لأن كل ما يحدث في هذا العالم فهو بواسطة العناصر والحركات الفلكية وإن ادعيت الثاني فمثل هذا الإحياء والإماتة حاصل مني ومن كل أحد وهو المراد بقوله أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة: ٢٥٨] ثم إن إبراهيم عليه السلام لم ينازع في كون هذه الحوادث السفلية مرتبطة بالحركات الفلكية بل أجاب بأن الله تعالى هو المبدأ لتلك الحركات فيكون الفعل منه سبحانه حقيقة والواحد منا لا يقدر على تحريك الأفلاك على خلاف التحريك الإلهي وهذا هو المراد بقوله فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة: ٢٥٨] وإذا عرفت نهج الكلام في هذا الباب عرفت أن القرآن العظيم مملوء من تعظيم الأجرام الفلكية وتشريف الكرات الكوكبية، وأما الأخبار فكثيرة منها ما روي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن استقبال الشمس والقمر واستدبارهما عند قضاء الحاجة، ومنها أنه

لما مات ولده صلّى الله عليه وسلم إبراهيم انكسفت الشمس فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة»

ومنها ما

روى ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا»

ومن الناس من يروي أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «لا تسافروا والقمر في العقرب»

ومنهم من يرويه عن علي كرم الله تعالى وجهه وإن كان المحدثون لا يقبلونه، وأما الآثار فكثيرة أيضا

فعن علي كرم الله تعالى وجهه أن رجلا أتاه آخر الشهر فقال: أريد الخروج في تجارة فقال: تريد أن يمحق الله تعالى تجارتك استقبل هلال الشهر بالخروج.

وعن عكرمة أن يهوديا منجما قال له ابن عباس: ويحك تخبر الناس بما لا تدري فقال: إن لك ابنا في المكتب يحم غدا ويموت في اليوم العاشر فقال ابن عباس: ومتى تموت أنت؟ قال: على رأس السنة ثم قال له: ولا تموت أنت حتى تعمى فكان كل ذلك. وعن الشعبي قال: «قال أبو الدرداء لقد فارق رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتركنا ولا طائر يطير بجناحيه إلا ونحن ندعي فيه علما» وليست الكواكب موكلة بالفساد والصلاح ولكن فيها دليل بعض الحوادث عرف ذلك بالتجربة، وجاء في الآثار أن أول من أعطى هذا العلم آدم عليه السلام وذلك أنه عاش حتى أدرك من ذريته أربعين ألف أهل بيت وتفرقوا عنه في الأرض وكان يغتم لخفاء خبرهم فأكرمه الله تعالى بهذا العلم فكان إذا أراد أن يعرف حال أحدهم نظر في النجوم فعرفه.

وعن ميمون بن مهران أنه قال: إياكم والتكذيب بالنجوم فإنه من علم النبوة، وروي عن الشافعي أنه كان عالما بالنجوم، وجاء لبعض جيرانه ولد فحكم له بأن هذا الولد ينبغي أن يكون على عضوه الفلاني خال صفته كذا وكذا فوجد الأمر كما قال، وروى ابن إسحاق أن المنجمين أخبروا فرعون أنه سيجيء ولد من بني إسرائيل يكون هلاكه على

<<  <  ج: ص:  >  >>