للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاهد، وقال قتادة والسدي: المراد بهم المستشهدون في سبيل الله تعالى فهو جمع شهيد وليس بذاك وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين العباد المفهوم من السياق بِالْحَقِّ بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب أو زيادة عقاب على ما جرى به الوعد بناء على أن الظلم حقيقة لا يتصور في حقه تعالى فإن الأمر كله له عزّ وجلّ.

وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ أي أعطيت جزاء ذلك كاملا وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ فلا يفوته سبحانه شيء من أعمالهم، وقوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً إلخ تفصيل للتوفية وبيان لكيفيتها، والفاء ليس بلازم، والسوق يقتضي الحث على المسير بعنف وإزعاج وهو الغالب ويشعر بالإهانة وهو المراد هنا أي سيقوا إليها بالعنف والإهانة أفواجا متفرقة بعضها في أثر بعض مترتبة حسب ترتب طبقاتهم في الضلالة والشرارة، والزمر جمع زمرة قال الراغب: هي الجماعة القليلة: ومنه قيل شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة، ومنه اشتق الزمر، والزمارة كناية عن الفاجرة، وقال بعضهم: اشتقاق الزمرة من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها ليدخلوها وكانت قبل مجيئهم غير مفتوحة فهي كسائر أبواب السجون لا تزال مغلقة حتى يأتي أصحاب الجرائم الذين يسجنون فيها فتفتح ليدخلوها فإذا دخلوها أغلقت عليهم، وحَتَّى هي التي تحكى بعدها الجملة، والكلام على إذا الواقعة بعدها قد مر في الأنعام. وقرأ غير واحد «فتحت» بالتشديد وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها على سبيل التقريع والتوبيخ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ أي من جنسكم تفهمون ما ينبؤونكم به ويسهل عليكم مراجعتهم.

وقرأ ابن هرمز «تأتكم» بتاء التأنيث، وقرىء «نذر منكم» يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ المنزلة لمصلحتكم وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي وقتكم هذا وهو وقت دخولكم النار لأن المنذر به في الحقيقة العذاب ووقته، وجوز أن يراد به يوم القيامة والآخرة لاشتماله على هذا الوقت أو على ما يختص بهم من عذابه وأهواله، ولا ينافيه كونه في ذاته غير مختص بهم والإضافة لامية تفيد الاختصاص لأنه يكفي للاختصاص ما ذكر، نعم الأول أظهر فيه.

واستدل بالآية على أنه لا تكليف قبل الشرع لأنهم وبخوهم بكفرهم بعد تبليغ الرسل للشرائع وإنذارهم ولو كان قبح الكفر معلوما بالعقل دون الشرع لقيل. ألم تعلموا بما أودع الله تعالى فيكم من العقل قبح كفركم، ولا وجه لتفسير الرسل بالعقول لإباء الأفعال المستندة إليها عن ذلك، نعم هو دليل إقناعي لأنه إنما يتم على اعتبار المفهوم وعموم الذين كفروا وكلاهما محل نزاع، وقيل في وجه الاستدلال: إن الخطاب للداخلين عموما يقتضي أنهم جميعا أنذرهم الرسل ولو تحقق تكليف قبل الشرع لم يكن الأمر كذلك. وتعقب بأن للخصم أن لا يسلم العموم، ولمن قال بوجوب الإيمان عقلا أن يقول: إنما وبخوهم بالكفر بعد التبليغ لأنه أبعد عن الاعتذار وأحق بالتوبيخ والإنكار قالُوا بَلى قد أتانا رسل منا تلوا علينا آيات ربنا وأنذرونا لقاء يومنا هذا وَلكِنْ حَقَّتْ أي وجبت كَلِمَةُ الْعَذابِ أي كلمة الله تعالى المقتضية له عَلَى الْكافِرِينَ والمراد بها الحكم عليهم بالشقاوة وأنهم من أهل النار لسوء اختيارهم أو قوله تعالى لإبليس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: ٨٥] ووضعوا الكافرين موضع ضميرهم للإيماء إلى عليّة الكفر، والكلام اعتراف لا اعتذار قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أي مقدرا خلودكم فيها، والقائل يحتمل أن يكون الخزنة وترك ذكرهم للعلم به مما قبل، ويحتمل أن يكون غيرهم ولم يذكر لأن المقصود ذكر هذا المقول المهول من غير نظر إلى قائله وقال بعض الأجلة: أبهم القائم لتهويل المقول.

فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ أل فيه سواء كانت حرف تعريف أم اسم موصول للجنس وفاء بحق فاعل باب نعم وبئس والمخصوص بالذم محذوف ثقة بذكره آنفا أي فبئس مثواهم جهنم والتعبير بالمثوى لمكان خالِدِينَ وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>