للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نطق به قوله تعالى: سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ [سبأ: ٤١] الآية، وقد تقدم ما ينفعك تذكره فتذكر.

وفي الدر المنثور أخرج الإمام أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لقريش: إنه ليس أحد يعبد من دون الله تعالى فيه خير فقالوا: ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وعبدا من عبد الله تعالى صالحا فإن كنت صادقا فإنه كآلهتنا فأنزل الله سبحانه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا

إلخ، والكلام في الآيات على هذه الرواية يعلم مما تقدم بأدنى التفات، وقيل: إن المشركين لما سمعوا قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آل عمران: ٥٩] قالوا: نحن أهدى من النصارى لأنهم عبدوا آدميا ونحن نعبد الملائكة فنزلت، فالمثل ما في قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى الآية والضارب هو تعالى شأنه أي ولما بين الله سبحانه حاله العجيبة اتخذه قومك ذريعة إلى ترويج ما هم فيه من الباطل بأنه مع كونه مخلوقا بشرا قد عبد فنحن أهدى حيث عبدنا ملائكة مطهرين مكرمين عليه وهو الذي عنوه بقولهم: أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ فأبطل الله تعالى ذلك بأنه مقايسة باطل بباطل وأنهم في اتخاذهم العبد المنعم عليه إلها مبطلون مثلكم في اتخاذ الملائكة وهم عباد مكرمون، ثم قال سبحانه: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ دلالة على أن الملائكة عليهم السلام مخلوقون مثله وأنه سبحانه قادر على أعجب من خلق عيسى عليه السلام وأنه لا فرق في ذلك بين المخلوق توالدا وإبداعا فلا يصلح القسمان للإلهية. وفي رواية عن ابن عباس وقتادة أنه لما نزل قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى الآية قالت قريش: ما أراد محمد صلّى الله عليه وسلّم من ذكر عيسى عليه السلام إلا أن نعبده كما عبدت النصارى عيسى.

ومعنى يصدون يضجون ويضجرون، والضمير في أَمْ هُوَ لنبينا عليه الصلاة والسلام، وغرضهم بالموازنة بينه صلّى الله عليه وسلّم وبين آلهتهم الاستهزاء به عليه الصلاة والسلام، وقوله تعالى: وَلَوْ نَشاءُ إلخ رد وتكذيب لهم في افترائهم عليه صلّى الله عليه وسلّم ببيان أن عيسى عليه السلام في الحقيقة وفيما أوحى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ليس إلا أنه عبد منعم عليه كما ذكر فكيف يرضى صلّى الله عليه وسلّم بمعبوديته أو كيف يتوهم الرضا بمعبودية نفسه ثم بين جل شأنه أن مثل عيسى ليس ببدع من قدرة الله تعالى وأنه قادر على أبدع منه وأبدع مع التنبيه على سقوط الملائكة عليهم السلام أيضا عن درجة المعبودية بقوله سبحانه: وَلَوْ نَشاءُ إلخ وفيه أن الدلالة على ذلك المعنى غير واضحة، وكذلك رجوع الضمير إلى نبينا عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: أَمْ هُوَ مع رجوعه إلى عيسى في قوله سبحانه: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ وفيه من فك النظم ما يجب أن يصان الكتاب المعجز عنه، ولا يكاد يقبل القول برجوع الضمير الثاني إليه صلّى الله عليه وسلّم، ولعل الرواية عن الخبر غير ثابتة، وجوز أن يكون مرادهم التنصل عما أنكر عليهم من قولهم: الملائكة عليهم السلام بنات الله سبحانه ومن عبادتهم إياهم كأنهم قالوا: ما قلنا بدعا من القول ولا فعلنا منكرا من الفعل فإن النصارى جعلوا المسيح ابن الله عز وجل فنحن أشف منهم قولا وفعلا حيث نسبنا إليه تعالى الملائكة عليهم السلام وهم نسبوا إليه الأناسي، وقوله تعالى: وَلَوْ نَشاءُ إلخ عليه كما في الوجه الثاني وَإِنَّهُ أي عيسى عليه السلام لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ أي إنه بنزوله شرط من أشراطها أو بحدوثه بغير أب أو بإحيائه الموتى دليل على صحة البعث الذي هو معظم ما ينكره الكفرة من الأمور الواقعة في الساعة، وأيا ما كان فعلم الساعة مجاز عما تعلم به والتعبير به للمبالغة.

وقرأ أبي «لذكر» وهو مجاز كذلك.

وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وأبو مالك الغفاري وزيد بن علي وقتادة ومجاهد والضحاك ومالك بن دينار والأعمش والكلبي قال ابن عطية وأبو نصرة «لعلم» بفتح العين واللام أي لعلامة.

وقرأ عكرمة قال ابن خالويه وأبو نصرة «لا لعلم» معرفا بفتحتين والحصر إضافي، وقيل: باعتبار أنه أعظم

<<  <  ج: ص:  >  >>