للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوجب ذلك حتما أي فانتظر لهم يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ أي يوم تأتي بجدب ومجاعة فإن الجائع جدا يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان وهي ظلمة تعرض للبصر لضعفه فيتوهم ذلك فإطلاق الدخان على ذلك المرئي باعتبار أن الرائي يتوهمه دخانا، ولا يأباه وصفه بمبين وإرادة الجدب والمجاعة منه مجاز من باب ذكر المسبب وإرادة السبب أو لأن الهواء يتكدر سنة الجدب بكثرة الغبار لقلة الأمطار المسكنة له فهو كناية عن الجدب وقد فسر أبو عبيدة الدخان به، وقال القتبي: يسمى دخانا ليبس الأرض حتى يرتفع منها ما هو كالدخان، وقال بعض العرب: نسمي الشر الغالب دخانا، ووجه ذلك بأن الدخان مما يتأذى به فأطلق على كل مؤذ يشبهه، وأريد به هنا الجدب ومعناه الحقيقي معروف، وقياس جمعه في القلة أدخنة وفي الكثرة دخنان نحو غراب وأغربة وغربان، وشذوا في جمعه على فواعل فقالوا: دواخن كأنه جمع داخنة تقديرا، وقرينة التجوز فيه هنا حالية كما ستعلمه إن شاء الله تعالى من الخبر، والمراد باليوم مطلق الزمان وهو مفعول به لارتقب أو ظرف له والمفعول محذوف أي ارتقب وعد الله تعالى في ذلك اليوم وبالسماء جهة العلو، وإسناد الإتيان بذلك إليهما من قبيل الإسناد إلى السبب لأنه يحصل بعدم إمطارها ولم يسند إليه عز وجل مع أنه سبحانه الفاعل حقيقة ليكون الكلام مع سابقه المتضمن إسناد ما هو رحمة إليه تعالى شأنه على وزان قوله تعالى أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: ٧] وتفسير الدخان بما فسرناه به مروي عن قتادة وأبي العالية والنخعي والضحاك ومجاهد ومقاتل وهو اختيار الفراء والزجاج.

وقد روي بطرق كثيرة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أخرج أحمد والبخاري وجماعة عن مسروق قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: إني تركت رجلا في المسجد يقول في هذه الآية يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ إلخ:

يغشى الناس قبل يوم القيامة دخان، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام فغضب وكان متكئا فجلس ثم قال: من علم منكم علما فليقل به، ومن لم يكن يعلم فليقل الله تعالى أعلم. فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله تعالى أعلم، وسأحدثكم عن الدخان إن قريشا لما استصعبت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبطؤوا عن الإسلام قال: اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينه كهيئة الدخان من الجوع، فأنزل الله تعالى فَارْتَقِبْ- إلى- أَلِيمٌ فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقيل: يا رسول الله استسق الله تعالى لمضر فاستسقى لهم عليه الصلاة والسلام، فسقوا فأنزل الله تعالى إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ [الدخان: ١٥] الخبر

.

وفي رواية أخرى صحيحة أنه قال: لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الناس إدبارا قال: اللهم سبعا كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام، فجاءه أبو سفيان وناس من أهل مكة فقالوا: يا محمد إنك تزعم أنك قد بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا، فادع الله تعالى فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعا فشكا الناس كثرة المطر فقال: اللهم حوالينا ولا علينا فانحدرت السحابة عن رأسه فسقي الناس حولهم قال: فقد مضت آية الدخان وهو الجوع الذي أصابهم الحديث

، وظاهره يدل كما في تاريخ ابن كثير على أن القصة كانت بمكة فالآية مكية.

وفي بعض الروايات أن قصة أبي سفيان كانت بعد الهجرة فلعلها وقعت مرتين، وقد تقدم ما يتعلق بذلك في سورة المؤمنين.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي لهيعة عن عبد الرحمن الأعرج أنه قال في هذا الدخان: كان في يوم فتح مكة وفي البحر عنه أنه قال يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ وهو يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة، وفي رواية ابن سعيد أن الأعرج يروي عن أبي هريرة أنه قال: كان يوم فتح مكة دخان، وهو قول الله تعالى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>