للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض الأجلة: لا يخفى أن لقاء اليوم يجوز أن يكون كناية عن لقاء جميع ما فيه وهو أنسب بالمقام لأن السياق لإنكار البعث وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ ما لأحد منكم ناصر واحد يخلصكم منها.

ذلِكُمْ العذاب بِأَنَّكُمُ بسبب أنكم اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً أي مهزوءا بها ولم ترفعوا لها رأسا وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فحسبتم أن لا حياة سواها فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها أي النار. وقرأ الحسن وابن وثاب وحمزة والكسائي «لا يخرجون» مبنيا للفاعل، والالتفات إلى الغيبة للإيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب استهانة بهم أو بنقلهم من مقام الخطابة إلى غيابه النار، وجوز أن يكون هذا ابتداء كلام فلا التفات.

وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي يطلب منهم أن يعتبوا ربهم سبحانه أي يزيلوا عتبه جلّ وعلا، وهو كناية عن إرضائه تعالى أي لا يطلب منهم إرضاؤه عز وجل لفوات أوانه، وقد تقدم في الروم. والسجدة أوجه أخر في ذلك فتذكر فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ تفريع على ما احتوت عليه السورة الكريمة، وقد احتوت على آلاء الله تعالى وأفضاله عز وجل واشتملت على الدلائل الآفاقية والأنفسية وانطوت على البراهين الساطعة والنصوص اللامعة في المبدأ والمعاد، واللام للاختصاص، وتقديم الخبر لتأكيده، وتعريف الحمد للاستغراق أو الجنس، والجملة إخبار عن استحقاقه تعالى لما تدل عليه، وجوز أن يراد الإنشاء، وتمام الكلام قد تقدم في الفاتحة، وفي التفريع المذكور على ما قال بعض الأجلة إشارة إلى أن كفرهم لا يؤثر شيئا في ربوبيته تعالى ولا يسد طريق إحسانه ورحمته عز وجلّ. ومن يسد طريق العارض الهطل. وإنما هم ظلموا أنفسهم، وإجراء ما جرى من الصفات الدالة على إنعامه تعالى عليه عز وجلّ كالدليل على استحقاقه تعالى الحمد واختصاصه به جلّ وعلا وقوله تعالى: رَبِّ الْعالَمِينَ بدل مما قبل وفي تكرير لفظ الرب تأكيد وإيذان بأن ربوبيته تعالى لكل بطريق الأصالة. وقرأ ابن محيصن برفعه على المدح بإضمار هو وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فيه من الاختصاص ما في فَلِلَّهِ الْحَمْدُ والكبرياء قال ابن الأثير: العظمة والملك، وقال الراغب: الترفع عن الانقياد، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود، وقوله تعالى: فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ في موضع الحال أو متعلق- بالكبرياء- والتقييد بذلك لظهور آثار الكبرياء وأحكامها فيه، والإظهار في مقام الإضمار لتفخيم شأن الكبرياء،

وفي الحديث القدسي «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار» أخرجه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وابن أبي شيبة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة

، وهو ظاهر في عدم اتحاد الكبرياء والعظمة فلا تغفل وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغلب الْحَكِيمُ في كل ما قضى وقدر، وفي هذه الجمل إرشاد- على ما قيل- إلى أوامر جليلة كأنه قيل: له الحمد فاحمدوه تعالى وله الكبرياء فكبروه سبحانه وهو العزيز الحكيم فأطيعوه عز وجل، وجعلها بعضهم مجازا أو كناية عن الأوامر المذكورة والله تعالى أعلم، هذا ولم أظفر من باب الإشارة بما يتعلق بشيء من آيات هذه السورة الكريمة يفي بمؤنة نقله غير ما يتعلق بقوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية: ١٣] من جعله إشارة إلى وحدة الوجود، وقد مر ما يغني عن نقله، والله عز وجلّ ولي التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>