للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع تنزيه الله عز وجل عن الجوارح وصفات الأجسام وكذلك يفعلون في جميع المتشابهات ويقولون: إن معرفة حقيقة ذلك فرع معرفة حقيقة الذات وأنى ذلك وهيهات هيهات، وجوز أن تكون الجملة خبرا بعد خبر لإن، وكذا جوز أن تكون حالا من ضمير الفاعل في يُبايِعُونَكَ وفي جواز ذلك مع كونها اسمية غير مقترنة بالواو كلام فَمَنْ نَكَثَ نقض العهد فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه، وروى الزمخشري عن جابر بن عبد الله أنه ما نكث أحد البيعة إلا جد بن قيس وكان منافقا، والذي نقله الطيبي عن مسلم يدل على أن الرجل لم يبايع لا أنه بايع ونكث قال: سئل جابر كم كانوا يوم الحديبية؟ قال: كنا أربع عشر مائة فبايعناه وعمر رضي الله تعالى عنه آخذ بيده صلوات الله تعالى وسلامه عليه تحت الشجرة وهي سمرة فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره ولم يسر مع القوم، ولعل هذا هو الأوفق لظاهر قوله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ [الفتح: ١٨] .

وقرأ زيد بن علي «ينكث» بكسر الكاف وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً هو الجنة وما يكون فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ويقال: وفى بالعهد وأوفى به إذا تممه وأوفى لغة تهامة، ومنه قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: ١] . وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ [البقرة: ١٧٧] وقرىء «بما عهد» ثلاثيا.

وقرأ الجمهور «عليه» بكسر الهاء كما هو الشائع وضمها حفص هنا، قيل: وجه الضم أنها هاء هو وهي مضمومة فاستصحب ذلك كما في له وضربه، ووجه الكسر رعاية الياء وكذا في إليه وفيه وكذا فيما إذا كان قبلها كسرة نحو به ومررت بغلامه لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم، وحسن الضم في الآية التوصل به إلى تفخيم لفظ الجلالة الملائم لتفخيم أمر العهد المشعر به الكلام، وأيضا إبقاء ما كان على ما كان ملائم للوفاء بالعهد وإبقائه وعدم نقضه، وقد سألت كثيرا من الأجلة وأنا قريب عهد بفتح فمي للتكلم عن وجه هذا الضم هنا فلم أجب بما يسكن إليه قلبي ثم ظفرت بما سمعت والله تعالى الهادي إلى ما هو خير منه، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وروح وزيد بن علي «فسنؤتيه» بالنون.

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ قال مجاهد وغيره ودخل كلام بعضهم في بعض المخلفون من الاعراب هم جهينة ومزينة وغفار وأشجع والديل وأسلم استنفرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت وأحرم هو صلّى الله عليه وسلّم وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربا ورأى أولئك الأعراب أنه عليه الصلاة والسلام يستقبل عددا عظيما من قريش. وثقيف.

وكنانة. والقبائل المجاورين مكة وهم الأحابيش ولم يكن الإيمان تمكن من قلوبهم فقعدوا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وتخلفوا وقالوا: نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم وقالوا: لن يرجع محمد عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه من هذه السفرة ففضحهم الله تعالى في هذه الآية وأعلم رسوله صلّى الله عليه وسلّم بقولهم اعتذارهم قبل أن يصل إليهم فكان كذلك، والْمُخَلَّفُونَ جمع مخلف، قال الطبرسي: هو المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد مأخوذ من الخلف وضده المقدم، والْأَعْرابِ في المشهور سكان البادية من العرب لا واحد له أي سيقول لك المتروكون الغير الخارجين معك معتذرين إليك شَغَلَتْنا عن الذهاب معك أَمْوالُنا وَأَهْلُونا إذ لم يكن لنا من يقوم بحفظ ذلك ويحميه عن الضياع، ولعل ذكر الأهل بعد الأموال من باب الترقي لأن حفظ الأهل عند ذوي الغيرة أهم من حفظ الأموال.

وقرأ إبراهيم بن نوح بن بازان «شغّلتنا» بتشديد الغين المعجمة للتكثير فَاسْتَغْفِرْ لَنا الله تعالى ليغفر لنا تخلفنا

<<  <  ج: ص:  >  >>