للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصادق بالندب لتعذر النسخ (١) فتعين الجمع بما ذكر مما يكون فطرة بأن يكون من غالب قوت محل المكفر في غالب السنة كالأقط- ولو للبلدي- فلا يجزىء نحو دقيق مما لا يجزي في الفطرة عندهم، ومذهب مالك كما قال أبو حيان مدّ وثلث بالمدّ النبوي، وروى عنه ابن وهب مدّان.

وقيل: مدّ وثلثا مدّ، وقيل: ما يشبع من غير تحديد، ولا فرق بين التمليك والإباحة عندنا فإن غدى الستين وعشاهم أو غدّاهم مرتين أو عشاهم كذلك أو غداهم وسحرهم أو سحرهم مرتين وأشبعهم بخبز بر أو شعير أو نحوه كذرة بإدام أجزأه، وإن لم يبلغ ما شبعوا به المقدار المعتبر في التمليك، ويعتبر اتحاد الستين فلو غدّى مثلا ستين مسكينا وعشى ستين غيرهم لم يجز إلا أن يعيد على إحدى الطائفتين غداء أو عشاء، ولو أطعم مائة وعشرين مسكينا في يوم واحد أكلة واحدة مشبعة لم يجز إلا عن نصف الإطعام فإن أعاده على ستين منهم أجزاه، واشترط الشافعية التمليك اعتبارا بالزكاة وصدقة الفطر، وهذا لأن التمليك أدفع للحاجة فلا ينوب منابه الإباحة، ونحن نقول:

المنصوص عليه هنا هو الإطعام وهو حقيقة من التمكين من الطعم، وفي الإباحة ذلك كما في التمليك، وفي الزكاة الإيتاء، وفي صدقة الفطر الأداء، وهما للتمليك حقيقة- كذا في الهداية- قال العلامة ابن الهمام: لا يقال: اتفقوا على جواز التمليك فلو كان حقيقة الإطعام ما ذكر كان مشتركا معمما أو فى حقيقته ومجازه لأنا نقول: جواز التمليك عندنا بدلالة النص، والدلالة لا تمنع العمل بالحقيقة كما في حرمة الشتم والضرب مع التأفيف فكذا هذا فلما نص على دفع حاجة الأكل فالتمليك الذي هو سبب لدفع كل الحاجات التي من جملتها الأكل أجوز فإنه حينئذ دافع لحاجة الأكل وغيره، وذكر الواني أن الإطعام جعل الغير طاعما أي آكلا لأن حقيقة طعمت الطعام أكلته، والهمزة تعدية إلى المفعول الثاني أي جعلته آكلا، وأما نحو أطعمتك هذا الطعام فيكون هبة وتمليكا بقرينة الحال، قالوا:

والضابط أنه إذا ذكر المفعول الثاني فهو للتمليك وإلا فللإباحة، هذا والمذكور في كتب اللغة أن الإطعام إعطاء الطعام وهو أعم من أن يكون تمليكا أو إباحة انتهى فلا تغفل.

ويجوز الجمع بين الإباحة والتمليك لبعض المساكين دون البعض كما إذا ملك ثلاثين وأطعم ثلاثين غداء وعشاء وكذا لرجل واحد في إحدى روايتين كأن غداه مثلا وأعطاه مدّا وإن أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزه إلا عن يومه لأن المقصود سدّ خلة المحتاج، والحاجة تتجدد في كل يوم، فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إليه في غيره، وهذا في الإباحة من غير خلاف، وأما التمليك من مسكين واحد بدفعات فقد قيل: لا يجزيه، وقيل: يجزيه لأن الحاجة إلى التمليك قد تتجدد في يوم واحد بخلاف ما إذا دفع بدفعة لأن التفريق واجب بالنص، وخالف الشافعية، فقالوا: لا بد من الدفع إلى ستين مسكينا حقيقة فلا يجزىء الدفع لواحد في ستين يوما، وهو مذهب مالك، والصحيح من مذهب أحمد- وبه أكثر العلماء- لأنه تعالى نص على ستين مسكينا، ويتكرر الحاجة في مسكين واحد لا يصير هو ستين فكان التعليل بأن المقصود سدّ خلة المحتاج إلخ مبطلا لمقتضى النص فلا يجوز، وأصحابنا أشدّ موافقة لهذا الأصل، ولذا قالوا: لا يجزي الدفع لمسكين واحد وظيفة ستين بدفعة واحدة معللين له بأن التفريق واجب بالنص مع أن تفريق الدفع غير مصرح به، وإنما هو مدلول التزامي لعدد المساكين فالنص على العدد أولى لأنه المستلزم، وغاية ما يعطيه كلامهم أنه بتكرر الحاجة يتكرر المسكين حكما فكان تعددا حكما، وتمامه موقوف على أن ستين مسكينا في الآية مراد به الأعم من الستين حقيقة أو حكما.


(١) قوله: لتعذر النسخ فيه تأمل انتهى منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>