للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحنة لأنهم يترتب عليهم الوقوع في الإثم والشدائد الدنيوية وغير ذلك،

وفي الحديث «يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: أكل عياله حسناته»

، وعن بعض السلف العيال سوس الطاعات.

وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن بريدة قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم يخطب فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله عليه الصلاة والسلام من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق وواحدا من ذا الشق، ثم صعد المنبر فقال: صدق الله نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

إني لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما»

،

وفي رواية ابن مردويه عن عبد الله بن عمر «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينما هو يخطب الناس على المنبر خرج حسين بن علي على رسول الله وعليهما الصلاة والسلام فوطئ في ثوب كان عليه فسقط فبكى فنزل رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عن المنبر فلما رآه الناس سعوا إلى حسين يتعاطونه يعطيه بعضهم بعضا حتى وقع في يد رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فقال: قاتل الله الشيطان إن الولد لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت (١) أني نزلت عن منبري» .

وقيل: إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتنكم الميل إلى الأموال والأولاد عنهما قال في الكشف: الفتنة على هذا الميل إلى الأموال والأولاد دون العقوبة والإثم، وقدمت الأموال قيل: لأنها أعظم فتنة كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق: ٦، ٧] ،

وأخرج أحمد والطبراني والحاكم والترمذي وصححه عن كعب بن عياض سمعت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم يقول: «إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال» .

وأخرج نحوه ابن مردويه عن عبد الله بن أوفى مرفوعا

وكأنه لغلبة الفتنة في الأموال والأولاد لم يذكر من التبعيضية كما ذكرت فيما تقدم اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

لمن آثر محبة الله تعالى وطاعته على محبة الأموال والأولاد والسعي في مصالحهم على وجه يخل بذلك فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ أي ابذلوا في تقواه عز وجل جهدكم وطاقتكم كما أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن أنس، وحكي عن أبي العالية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: ١٠٢] اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تعالى تخفيفا على المسلمين فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فنسخت الآية الأولى. وجاء عن قتادة نحو منه، وعن مجاهد المراد أن يطاع سبحانه فلا يعصى، والكثير على أن هذا هو المراد في الآية التي ذكرناها وَاسْمَعُوا مواعظه تعالى وَأَطِيعُوا أوامره عز وجل ونواهيه سبحانه وَأَنْفِقُوا مما رزقكم في الوجوه التي أمركم بالإنفاق فيها خالصا لوجهه جل شأنه كما يؤذن به قوله تعالى: خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وذكر ذلك تخصيص بعد تعميم، ونصب خَيْراً عند سيبويه على أنه مفعول به لفعل محذوف أي وأتوا خيرا لأنفسكم أي افعلوا ما هو خير لها وأنفع، وهذا تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر وبيان لكون الأمور خيرا لأنفسهم من الأموال والأولاد، وفيه شمة من التجريد، وعند أبي عبيد على أنه خبر ليكن مقدرا جوابا للأمر أي يكن خيرا، وعند الفراء والكسائي على أنه نعت لمصدر محذوف أي إنفاقا خيرا، وقيل: هو نصب- بأنفقوا- والخير المال، وفيه بعد من حيث المعنى، وقال بعض الكوفيين: هو نصب على الحال وهو بعيد في المعنى والإعراب وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وهو البخل مع الحرص.


(١) ليت شعري لو رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حال الحسين على جده وعليه الصلاة والسلام في واقعة كربلاء ماذا كان يصنع فلعنة الله تعالى وملائكته ورسله والناس أجمعين على من أمر بما كان ومن ألجم وأسرج، أو رضي أو كثر سوادا اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>