للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وقد حفلت فلا تخبري بذلك أحدا» فنزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ

إلخ،

وفي رواية «قالت سودة: أكلت مغافير؟

قال: لا قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: سقتني حفصة شربة عسل، فقالت: جرست نحلة العرفط» فحرم العسل فنزلت

، وفي حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة شرب العسل في بيت حفصة، والقائلة سودة وصفية.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال الحافظ السيوطي: بسند صحيح عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم شرب من شراب عند سودة من العسل فدخل على عائشة فقالت:

إني أجد منك ريحا فدخل على حفصة فقالت: إني أجد منك ريحا فقال: أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشربه» فنزلت

،

وأخرج النسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما فأنزل الله تعالى هذه الآية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ

إلخ، ويوافقه ما أخرجه البراز، والطبراني بسند حسن صحيح عن ابن عباس قال: نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ الآية في سريته.

والمشهور أنها مارية

وأنه عليه الصلاة والسلام وطئها في بيت حفصة في يومها فوجدت وعاتبته فقال صلّى الله تعالى عليه وسلم: ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها؟ قالت: بلى فحرمها

، وفي رواية أن ذلك كان في بيت حفصة في يوم عائشة،

وفي الكشاف روي أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها: اكتمي عليّ وقد حرمت مارية على نفسي وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي فأخبرت عائشة وكانتا متصادقتين.

وبالجملة الأخبار متعارضة، وقد سمعت ما قيل فيها لكن قال الخفاجي: قال النووي في شرح مسلم: الصحيح أن الآية في قصة العسل لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية في طريق صحيح ثم قال الخفاجي نقلا عنه أيضا: الصواب أن شرب العسل كان عند زينب رضي الله تعالى عنها، وقال الطيبي فيما نقلناه عن الكشاف: ما وجدته في الكتب المشهورة والله تعالى أعلم.

والمغافير: بفتح الميم والغين المعجمة وبياء بعد الفاء- على ما صوبه القاضي عياض- جمع مغفور بضم الميم شيء له رائحة كريهة ينضحه العرفط وهو شجر أو نبات له ورق عريض، وعن المطلع أن العرفط هو الصمغ، والمغفور شوك له نور يأكل منه النخل يظهر العرفط عليه، وكان صلّى الله تعالى عليه وسلم يحب الطيب جدا ويكره الرائحة الكريهة للطافة نفسه الشريفة ولأن الملك يأتيه وهو يكرهها فشق عليه صلّى الله تعالى عليه وسلم ما قيل فجرى ما جرى، وفي ندائه صلّى الله تعالى عليه وسلم- بيا أيها النبي- في مفتتح العتاب من حسن التلطف به والتنويه بشأنه عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى، ونظير ذلك قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: ٤٣] والمراد بالتحريم الامتناع. وبما أحل الله العسل على ما صححه النووي رحمه الله تعالى، أو وطء سريته على ما في بعض الروايات، ووجه التعبير- بما- على هذين التفسيرين ظاهر.

وفسر بعضهم ما بمارية والتعبير عنها- بما- على ما هو الشائع في التعبير بها عن ملك اليمين، والنكتة فيه لا تخفى، وقوله تعالى: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ حال من فاعل تُحَرِّمُ، واختاره أبو حيان فيكون هو محل العتاب على ما قيل، وكأن وجهه أن الكلام الذي فيه قيد المقصود فيه القيد إثباتا أو نفيا، أو يكون التقييد على نحو «أضعافا مضاعفة» على أن التحريم في نفسه محل عتب والباعث عليه كذلك كما في الكشف، أو استئناف

<<  <  ج: ص:  >  >>